نحن في الأسبوع الرابع من «مهرجان البستان». اليوم الأربعاء، يقدِّم البريطاني أوليفر بول (1991) برنامج عزف منفرد على البيانو، بعدما شارك في أمسية خاص بموسيقى الحجرة الأسبوع الماضي، حيث أدى مع زميليه ناريغ هاغنزريان (تشيلو) وهراتشيا أفنيسيان (كمان) ثلاث كلاسيكيات من هذه الفئة لبيتهوفن، برامز وشوبرت. على برنامج بول لليلة، قنبلة موسيقية، ميزتها الأولى جمالها المطلق والثانية صعوبة أدائها ودقته.
إنّها «تنويعات غولدبرغ» (Goldberg Variations) التي فشل كثيرون في تفادي فخاخها في تسجيلات استوديو، وأكثر منهم من أخفقوا في أدائها الحي. لكن في كل الأحوال، يستحق بول فرصة النجاح في هذه المهمة، لكن حذار المبالغة في توصيف قيمته كعازفَ بيانو عموماً، وفي مديح أدائه لتحفة باخ بعد الحفلة. ثمة استسهال عام في إطلاق العبارات الرنانة لوصف الفنانين الشباب، وبول منهم، ما يلغي أي احتمال لمقاربة موضوعية لعزفه من جانب الجمهور. كذلك بالنسبة إلى أدائه لرائعة باخ، لنقارن ما سيقوم به أوليفر بول بإنجازات الكندي الراحل غلان غولد في أداء الـ«غولدبرغ». إن تخطاه أو تساوى معه، فله ترفع القبعات، وإن لم يفعل فلا يجوز إغداق الهدايا المجانية عليه. على برنامج بول في الشق الثاني من الأمسية أعمال مهمة أخرى، أبرزها تحفة الأميركي غرشوين Rhapsody in Blue في نسختها للبيانو المنفرد.
غداً، يقدِّم زاد ملتقى وفرقته Mezwej عملاً جديداً (الأخبار 9/3/2013). لكن الحدث الأبرز يحلّ يوم السبت المقبل، مع أحد عمداء العزف الكلاسيكي على الكمان، الإيطالي سالفاتوريه أكاردو (1941) الذي يزور لبنان للمرة الأولى مع Orchestra da Camera Italiana (الأوركسترا الإيطالية لموسيقى الحجرة). الحديث عن أكاردو هو أسهل ما يكون في عالم الموسيقى الكلاسيكية. مسيرة الرجل السبعيني يمكن اختصارها بكلمة واحدة هي: باغانيني. إنه المؤلف الإيطالي الذي يمكن اختصار الحديث عنه هو الآخر بكلمة واحدة أيضاً: الكمان. فقد أوصل نيقولو باغانيني آلة الكمان إلى القمة لناحية تقنيات العزف. الجمال موجود عنده وعند غيره ممن كتبوا لهذه الآلة، لكن «شيطان الكمان» (كما كان يلقَّب) امتلك آلته إلى درجة لم يتخطاها مؤلف أو عازف منذ أكثر من قرن ونصف قرن. أما أكاردو، فأوصل باغانيني إلى العالم من خلال تكريس الجزء الأكبر من نشاطه لأعمال، بعضها لم يكن معروفاً قبل أداء زائرنا لها. كونشرتوهات الكمان الست لباغانيني، مثلاً، تبقى أهم ما قدَّم أكاردو لكاتالوغ الموسيقى الكلاسيكية المسجَّلة. أما العمل الأشهر للمؤلف الإيطالي، أي الكابريسات الـ24 (caprices 24) للكمان المنفرد، فسجّله أكاردو طبعاً. وبقي تسجيله مرجعاً لسنوات، قبل أن يأتي العديد من عازفي الكمان بعده، استفادوا من رؤيته للعمل، صحيح، لكنهم تخطوه بأشواط في إعطاء هذه المقطوعات الصعبة حقها من الناحيتيْن التقنية والجمالية.
من هنا، عندما علمنا أن سالفاتوريه أكاردو آتٍ إلى لبنان، اعتقدنا أن البرنامج سيُخصَّص لباغانيني. غير أن المايسترو الإيطالي فضّل التنويع، فاختار أعمالاً متفرقة (كرايسلر، روسيني وبيرتن). لكن حصة باغانيني بقيت محفوظة بأحد أجمل أشكالها، إذ أُدرِج الحركة الثالثة من الكونشرتو الثاني. حركة مسماة «الجرس الصغير» ومبنية على أجمل لحن كتبه باغانيني، ونسمعه غالباً بنسخته للبيانو المنفرد كما رآه «شيطان» آخر في التقنيات الصعبة، فرانز لِيسْت.

«مهرجان البستان»: حتى 27 آذار (مارس) ــ «فندق البستان» ــ 04/972980




... وبيريزوفسكي قريباً

يُستهل الأسبوع الخامس من الدورة العشرين لـ«مهرجان البستان» بأهم أمسية في فئة العزف المنفرد على البيانو مع الروسي بوريس بيريزوفسكي. شهدت هذه الدورة أمسية بيانو للنجمة الجورجية كاتيا بونياتيشفيلي، والأمسية الثانية في هذه الفئة يحييها أوليفر بول الليلة. لكن القمة يبلغها المهرجان الاثنين المقبل مع أحد أهم العازفين في العالم، بيريزوفسكي الذي يزور «البستان» للمرة الثامنة! أما البرنامج فأبقاه صديقنا مفاجأةً، لكنّ الأكيد أنّ الأمسية لن تمر من دون مقطوعات لشوبان ورخمانينوف، عملاقي البيانو اللذين شكّلا محوَر مسيرة بوريس منذ انطلاقه.