تونس | في غياب تقاليد ثقافية تجعل الرقص فناً «محترماً»، يواصل الثنائي رجاء بن عمار والمنصف الصايم التأكيد على ثقافة الرقص والجسد والفن والحرية رغم ما يشوب السماء التونسية من غيوم استهدفت حتى التقاليد البسيطة التي كانت سائدة في الحياة اليومية، فعمّت ثقافة السواد المدعومة من الخليج الروح التونسية المفعمة بالحياة والجمال والحرية. الدورة الرابعة من «أيام الرقص المعاصر» التي يحتضنها «مدار قرطاج» حتى 30 من الشهر الحالي تتزامن مع العطلة المدرسية في تونس وتندرج في «سياق ثقافي خاص حيث أصبحت الأولوية للدعاة القادمين من دول الخليج الذين يريدون تخريب الروح الثقافية التونسية بدعم من الحكام الجدد» كما قالت رجاء بن عمار خلال المؤتمر الصحافي الخاص بالحدث. المخرجة والممثّلة والراقصة أشارت إلى أنّ دعم الدولة لتظاهرة الرقص المعاصر تراجعت في العامين الأخيرين، مهديةً الدورة إلى روح الزعيم اليساري الشهيد شكري بلعيد، وجاعلةً «الرقص في وجه العنف» شعاراً لها. وشدّدت بن عمّار على أنّ وزارة الثقافة قلّصت دعمها للمهرجان «في الوقت الذي تنفق فيه الأموال الطائلة على الدعاة القادمين من الخليج لتخريب النموذج الثقافي التونسي. وقد أنفقت الدولة ٢٥٠٠ الف يورو لإقامة مقر جديد لوزارة الشؤون الدينية في الوقت الذي تعاني فيه المدارس وفضاءات الثقافة من الإهمال».
منذ صعود حركة «النضهة» الإسلامية إلى الحكم، يشعر التونسيون بأنّ مكاسب المجتمع مهددة خصوصاً في مجالات التعليم والثقافة والمرأة. لم يكن وزير التربية في الحكومة السابقة عبد اللطيف عبيد يخال أنّ قراره بفتح تحقيق اداري ضد مديرة معهد ثانوي بسبب رقصة «هارلم شايك» سيدفع التونسيين من مختلف الأجيال الى التعلق بفن الرقص وتحميله رمزية «المعارضة» للائتلاف الحاكم المتهم بمحاولة تغيير النمط الاجتماعي للتونسيين. وهو الخطأ القاتل الذي ارتكبته «النهضة»، فالرقص أصبح كلمة السر التي يدافع بها التونسيون عن الحياة أو كما يقول بعضهم بتهكّم «الشطيح... الشطيح حتى النهضة تطيح» ما يعني «الرقص الرقص حتى تسقط النهضة».
«أيام الرقص المعاصر» مناسبة أخرى تؤكد فيها تونس ونخبتها أنّها ما زالت مصرّة على الانتصار في معركتها ضد ثقافة بول البعير وإرضاع الكبير ومضاجعة الزوجة بعد موتها... ثقافة لم يعرفها التونسيون طيلة تاريخهم الذي ارتبط دوماً بضخ دماء جديدة في الثقافة العربية.