أهلاً بكم في «مغارة» الإذاعة اللبنانيّة! لا تستغربوا التسمية لأنّ حال الإذاعة الرسميّة صورة طبق الأصل عن وضع «تلفزيون لبنان» والإدارات الرسمية، حيث تفعل المحسوبيّات فعلها. وإذا كانت الإذاعة لم تأخذ نصيبها من النقد في زمن الـ«نيو ميديا»، فإنّ ممارسات العهد الحالي تدفع إلى السؤال عن مستقبل المؤسسة وكيفيّة صرف المخصّصات. وقد علمت «الأخبار» أنّ إجمالي المخصصات يقدّر بنحو 80 مليون ليرة لبنانية شهرياً، تستثمر بطريقة تخدم مصالح الإدارة الجديدة التي مضى على تولّيها مهماتها نحو أربع سنوات بعدما حلّ الممثل ونقيب الفنانين المحترفين السابق محمد إبراهيم مكان المدير السابق فؤاد حمدان.
ثمة من يطالب بانتشال الإذاعة من ركودها، والمضيّ قدماً في التطوير الذي بقي حبراً على ورق، في ظل تراجع أدائها وازدياد حركة التنفيعات فيها، ومواصلة تقديم البرامج نفسها منذ سنوات لأنّ «أصحابها لا يملكون أي مصدر رزق آخر».
هكذا، تكون الأولويّة للبرامج التي تنتجها شركات مقرّبة من الإدارة، ومنها شركتان يملكهما إبراهيم نفسه والمخرج عبد الله شمس الدين الذي غالباً ما يُعفى من تسلّم برامج في شبكات الإذاعة، ليتفرّغ لأعماله الخاصة. ويسهم شمس الدين في تسويق إنتاجات شركته وشركات المنتفعين إلى دول الخليج. وبناءً على هذه القاعدة، تكون الإذاعة قد استبدلت الإنتاج بشراء البرامج الجاهزة، بل أكثر من ذلك: عمليات الشراء تشمل برامج أنتجتها هذه الشركات لمصلحة إذاعات عربيّة مقابل تسعيرة «البرامج المتوافرة». كلفة حلقات هذا النوع من البرامج ليست كبيرة لأنّها أذيعت سابقاً على محطات أخرى، ومن دون علمها حتى. وتعمد الإذاعة اللبنانية أيضاً إلى إعادة بث برامج من دورات برامج سابقة، فيما يُلاحظ تناوب أسماء ثابتة على تقديم قسم كبير من تلك الجديدة.
الأسوأ من هذا هو الاتفاق مع مجموعة من المعدّين على تنفيذ برامج لمصلحة الإذاعة، في ما يشبه «تنفيعة» لصاحب البرنامج. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ طُلب ذات مرة من أحد المخرجين تسجيل برنامج، وأبلغ بأنّه لن يذاع. عندها، قرّر المخرج عدم تسجيله، موقّعاً على ورقة تثبت أن الحلقات سجّلت فعلاً! هذا بالإضافة إلى الاتفاق على بث بعض البرامج المسجلة على أنّها مباشرة، من أجل إفادة أصحابها مادياً (يتقاضى المذيع مبلغ 200 ألف ليرة عوضاً عن 50 ألف ليرة على الحلقة الواحدة).
ويكشف مصدر مطّلع لـ«الأخبار» عن حادثة لافتة، حين أجبرت إحدى المذيعات على تقديم برنامج، لكنها رفضت بحجة «افتقاره إلى الإعداد». هُددت الأخيرة بتحويلها إلى التحقيق، وفُسّر رفضها على أنّه موقف من المدير. ومن بين الحكايات أيضاً، نذكر قصة المخرج (موظّف) الذي غاب اسمه عن شبكة البرامج الأخيرة، رغم أنّه مستمر بتقاضي راتبه الشهري. ويؤكد المصدر نفسه أنّ الإذاعة تحتاج اليوم إلى إدارة تنتشلها من الفساد الذي تغرق فيه. لم يترك سرطان الفساد زاوية سليمة في الإذاعة! مع كل إداري جديد، يأتي «طاقم أصحاب» لإعداد البرامج. وها هو أحد الإداريين يعد مذيعة في إحدى القنوات الإخبارية التي تبث من بيروت، بتخصيصها ببرنامج إذا استطاعت «سداد متوجبات التلفزيون له، قبل موعدها». ويبقى السؤال اليوم: هل من يتنبه إلى معاناة الإذاعة الرسميّة؟ أم أنّ المصالح كرّست سياسة «غضّ النظر»؟