في فيلمها التسجيلي «كما لو أننا نمسك كوبرا»، اشتغلت هالة العبد الله بمنطق الريبورتاج الذي يبدأ من فكرة أولية تتمثل في رصد فن الكاريكاتور في مواجهة الرقابة. لكن المادة التي أنجزتها المخرجة السورية المقيمة في باريس تعرضت لانعطافة مع اندلاع الثورات العربية. بدلاً من أن يفقد الفيلم وهج فكرته، سارعت صاحبة «هيه لا تنسي الكمون» إلى استثمار اللحظة الراهنة.
كأن الفيلم الذي عُرض في «أيام بيروت» عثر على بداية ثانية. كانت المخرجة قد صورت لقاءات مع الرسامَيْن السوريين علي فرزات، وحازم الحموي الأصغر سناً، ثم انتقلت إلى مصر لتقابل الفنان محيي الدين اللباد، وعدداً من تلامذته. تتعقب الكاميرا رسوماتٍ منشورة وغير ومنشورة، بينما يروي فرزات محطات من مسيرته مع الرقابة، ويتحدث الحموي بنبرة أقل استعراضية عن فكرة الموت بسبب الرأي السياسي. اللباد يعود إلى تواريخ أقدم مثل هزيمة يونيو وتشجيع السلطة على النكتة في الكاريكاتور. المونتاج يربط مشاهد الفيلم بتدخّلات المخرجة التي تصبح راوية له وشخصية من شخصياته، لكنها واقفة وراء الكاميرا. فرزات يعود بعد حادثة الاعتداء الشهيرة عليه، ويروي جانباً من التجربة بتقنية السكايب، بينما تطلب المخرجة من الحموي أن يوافيها في القاهرة لاستكمال التصوير مع اندلاع الأحداث في سوريا. في القاهرة، سيكون اللباد قد توفي قبل أن يعلق على الثورة المصرية. تصور المخرجة لقاءات مع رسامين في صحف القاهرة. تعقد لقاءً بين الحموي والرسام الشاب مخلوف، ودعاء العدل التي سنراها برفقة زميلها قرب ضريح اللباد. ما يحدث في سوريا يأخذ حصة أكبر في الفيلم مع حضور الكاتبة سمر يزبك التي طوَّع الشريط حضورها بكونها معارضة للنظام. مزْجُ المخرجة بين هويتها كمواطنة سورية، وبين مادة الفيلم وأمزجة شخصياته، منح الفيلم نوعاً من الحميمية، اختلطت مع تقطيعه بأغنيات مؤثرة بدت كفواصل منشّطة لجمهورٍ أضجره طول الفيلم (117 د) الذي كان ممكناً أن يحظى ببعض الرشاقة لو حُذفت بعض المشاهد واختُزل بعضها الآخر.