في الكلمة التي يوجّهها اليوم إلى أقرانه في مناسبة «يوم المسرح العالمي»، حسب التقليد الذي أرساه «المعهد الدولي للمسرح» مع الأونيسكو منذ ١٩٦٢، يذكّر الحكواتي العظيم داريو فو كيف أن السلطة الدينيّة والسياسيّة اضطهدت الممثلين في القرون الوسطى، وأحرقت كتاباتهم، ومنعتهم من «تشويه العقول الطيّبة والبريئة» بفنونهم «الشيطانيّة». كأننا بصاحب «ميستيرو بوفّو» الذي يمدّ لسانه وإصبعه الوسطى للطغاة منذ نصف قرن، يشير تحديداً إلى الظلاميّة التي تحكم العالم العربي، بكلّ ما ينبت على ضفاف مستنقعها من فطر سام: تكفيريّين ومطاوعة وحرّاس فضيلة و«فكر قويم».
وخلافاً للمزاج السائد، ولخطاب «الأزمة» المهيمن، حضر المسرح اللبناني بقوّة لم تعرفها بيروت منذ عصرها الذهبي. نعم، في بيروت، المسرح أيضاً يقاوم. أجيال من المبدعين احتلّت الجزء الذي لا يزال متاحاً من الفضاء العام، رغم انحسار الجمهور، وتقلّص الفضاءات، وغياب الدعم والرعاية والتمويل… عشرات التجارب والفرق، عدد مدهش من التظاهرات والمهرجانات المتخصّصة في فنون الفرجة في «المدينة» حيث تكرّم نضال الأشقر اليوم الرائد أسامة العارف، و«بابل» و«دوّار الشمس» و«مونو» وسائر المسارح الجامعيّة، تؤكّد لنا أن النهضة ممكنة، والجمهور موجود إذا عرفنا كيف نخاطبه. ما دام المبدعون يواصلون العمل في محترفاتهم على القوالب والجماليّات واللغة، لصياغة اللحظة التي يعيشها مجتمعهم ومعاصروهم.
إذا كانت أسئلة كثيرة تطرح في القاهرة وتونس والرباط، في رام الله والجزائر والمنامة وعمّان… إذا كان الحداد يلفّ اليوم مدينة سعدالله ونّوس، فإننا أكثر من أي وقت سابق، نردد مع صاحب «حفلة سمر…» (راجع الكلمة التي ألقاها في مثل هذا اليوم قبل ١٧ عاماً)، أننا «محكومون بالأمل»، ولو على شفا حروب أهليّة تهدد بابتلاع المنطقة. فيما الشيخ شخبوط يرعى الثورات، ويهندس «ربيعنا» حسب رؤيته المستقبليّة، وقد ارتدى عباءة صلاح الدين، ليعلن نفسه مدافعاً عن القدس وعن الكرامة العربيّة (أي مؤلّف كتب له هذا المونولوغ؟)… لا نستطيع سوى أن نبتسم بمرارة، ونحن ننظر وراء ستار الدخان الكثيف، لنعيد اكتشاف المسرح في يومه العالمي، مختبراً للمدنيّة واللحمة الأهليّة والاختلاف ونقد السلطة والتجرؤ على المحظور.