قبل أي شيء، لا بدّ من توجيه تحية إلى السيدة التي كانت تحاول في كادر صغير داخل الشاشة، أن تترجم «إشارات» زياد الرحباني إلى لغة الإشارة. تعبت كثيراً في حلقة أول من أمس من «آخر كلام» التي استضاف فيها يسري فودة الرجل «السابق لأوانه» كما وصفه، و«للمرة الأولى على قناة مصرية». لكنّ تلك السيدة على «أون. تي. في» لم تبد يائسة تماماً، مع أنّ الرحباني انزلق إلى الحديث عن الوضع اللبناني بمصطلحاته اللبنانية البحتة، فبدت السيدة كأنها تبحث عن إشارات «مستحيلة» لإيصال أفكاره المربكة والمتمادية في الاستطراد، إلى المشاهدين من الصمّ والبكم. بلا شكّ، كان بإمكان الرحباني التعبير عن الكثير من وجهات نظره بدقيقة واحدة بدل الربع ساعة. وهذه واحدة من مشكلاته في المقابلات التلفزيونية، هو الذي لا يمتلك تماماً «خير الكلام» الذي لا يعبّر عنه إلا بـ«ما قلّ ودلّ».
لكن الرحباني في النهاية، يوصل فكرته، «بلا مساحيق ولا تكلّف ولا نفاق» ولو بعد عناء، والعناء هنا مضاعف للجمهور المصري، وطبعاً ليسري فودة الذي بدا عليه الإرباك في مراحل مختلفة من المقابلة بسبب صعوبة التواصل بين اللكنتين اللبنانية والمصرية. مع ذلك، استطاع فودة محاورة الرحباني في مواضيع غير مطروحة سابقاً في المقابلات «اللبنانية» معه، فالأخيرة غالباً ما تغوص في السياسة إلى حدّ يطغى على كل ما عداها من مكوّنات في شخصية الرحباني، بما في ذلك الفن.
حسناً فعل فودة بأن بدأ بالسياسة، وأنهى الحديث فيها باكراً (نسبياً)، فتطرق إلى الصعود الإسلامي في المنطقة، والوضع السوري، و«حزب الله» وأحوال مصر. في كل تلك المواضيع السياسية، استطرد الرحباني وخلط الحابل بالنابل في محاولة لإيصال أفكاره، فأدخل فودة في زواريب صيدا والشيخ أحمد الأسير (الذي سيقدم لجوءاً سياسياً في هوليوود لأن مؤثراته السينمائية منه وفيه) وفؤاد السنيورة و«قانون اللقاء الأرثوذكسي» ليقول له إنّ الإسلام السياسي يتصرف من موقع يفترض فيه أنّه الأصل فيما بقية الأطراف طارئون على المشهد أو ضيوف، ويمنّنهم بقبولهم أو السماح لهم بالوجود. أكّد لفودة أنّ الصعود الإسلامي سيهبط من دون الحاجة إلى محاربته. أما في الملف السوري، فقلل الرحباني من شأن التهديدات التي تلقاها من «مثقفين سوريين» بمنعه من إحياء حفلته (التي مرّت بسلام) في القاهرة. وكرّر موقفه المعارض للثورة السورية، مع تسجيله أنّ بعض المناطق شهدت حراكاً صادقاً، لكن ما لبثت أن جنحت المطالب إلى تيار متطرف «وبتصير رح تصدق النسخة الرسمية من الرواية». ومع أنّ الرحباني أكّد أنه «ولا مرة قلت إنني من الطرف الثاني»، ما لبث أن قال «أنا مع المخابرات أكيد، والشعب السوري مع المخابرات، مش مع هيدا التيار المتطرف».
لا جديد في هذا الصدد. مواقف الرحباني السياسية يعرفها جمهوره اللبناني جيداً عبر مقالاته في «الأخبار»، ومقابلاته الصحافية والتلفزيونية. أما الجمهور المصري، فهو على الأغلب ليس مهتماً بسماع آراء زياد السياسية، بقدر ما هو مهتم به كفنان كبير، تأثر بالفن المصري منذ طفولته، باعتراف والده عاصي الرحباني، وفق ما قال في اللقاء. وهنا بدأت الحلقة تصير ممتعة وفريدة في التطرق إلى ما لا يختلف أحد في أنّ الرحباني يبرع ويبدع فيه، أي الموسيقى. هنا، لم تعد اللكنة مهمة. صار النقاش أكثر سلاسة بين فودة والرحباني الذي كشف عن إعجاب وتأثر واضحين بمحمد عبد الوهاب، عندما سجّل اعجابه بلحن نشيد «طول ما أملي معايا» الذي لم يستطع كل فناني اليسار في لبنان وضع لحن يوازيه قوة وجمالاً على حد قوله.
بدا الرحباني مصرياً، ولو كان لا يتكلم اللكنة المصرية. روحه مصرية، وهواه «عبد الوهابي»، ويحبّ أداء محمد عبد المطّلب وغناء زكريا أحمد. يتحسر كيف أنّ الشعب المصري الذي يملك ذائقة موسيقية فريدة يعوّم نماذج ممن يسمون فنانات وفنانين وتمتلئ شوارع القاهرة بصورهم، وتعتمدهم البرامج التلفزيونية في لجان التحكيم!
زياد مصري ولو أنه تأخر حتى عام 2010 لزيارة القاهرة للمرة الأولى. هو مصري، لأنه تأثر عميقاً بسيد درويش الذي لم يأت فودة على سيرته خلال الحلقة، ولم يسأل الرحباني عنه، وهذا بدا نقصاً فاضحاً في الإعداد، إضافة إلى عدم ذكر الشيخ إمام لا من قريب ولا من بعيد... «أهو ده اللي صار». لكنها كانت حلقة ممتعة، خصوصاً عند الحديث عن الموسيقى، والمقاطع والأغنيات التي حرص فودة على تمريرها في الحلقة، وسؤال الرحباني عن رأيه بها، خصوصاً لويس ارمسترونغ، وفرانك سيناترا الذي قادت أغنيته I did it my way دفة الحديث إلى موضوع الموت، فقال الرحباني إنّ «حالته ليست إيجابية»، خصوصاً في السنوات الأخيرة، لأنه يعيش وحده، لكنه أكد أنّه ما دام المرء يقدر على تقديم ما يصبّ في صالح كل الناس، فيجب أن يظل يحاول. تحدث عن فيروز وطمأن فودة إلى أنّ صحتها ممتازة، لكنّ أعصابها متعبة بسبب مشاهدتها الدائمة للأخبار على القنوات اللبنانية، وفي بيتها أكثر من جهاز تلفزيون تتنقّل بينها «وتستطيع أن تشغّل من عندها شبكة رصد»! ثم أنهى الحلقة بالاعتذار من الملحن محمد سلطان على خطأ قديم بنسب أحد ألحانه إلى زكريا أحمد في اسطوانة «بالأفراح»، ليظهر نبل الرحباني وقدرته على النقد الذاتي والاعتراف بالخطأ، حتى ولو بعد حين!
14 تعليق
التعليقات
-
غريبمع انو موقع على بيان _ زياد الرحباني اقصد _ بيحمل النظام السوري المسؤولية عن سلامة بعض من اختطفتهم العصابات بمعنى آخر انا ومن معي من موقعين رح نحط الحق على النظام السوري مين ماكان الخاطف فممكن تقتلوهون على العموم مش كتير فارقة معنا ولو انو من الززززززكاء انو يبعد عن المثقفين وجريدة الاخبار لانو المستنقع اللي الاخبار فيه بيوسخ
-
كل الطائفيين الأقلويينكل الطائفيين الأقلويين المتسربلين برداء الممانعة والمقاومة "مع المخابرات."
-
لقاء زياد الأخير مع قناة مصريةبتعرف زياد ليش بحبك ..لأنك بتحكي شو عم يصير بحياتنا بشكل بسيط وعميق(المضحك المُبكي)وبالنسبة لرأيك بالوضع السوري، أنت عبرت عن رأيي .. أنا مع الرئيس بشار الأسد لأنه رمز للدولة وللأمان.والحرية الحقيقية والحياة الحلوه إلي كانت ببلدي،بتعرف أنامشاكسة من زمان،كنت عبّر عن رأيي بكل شي عم يصير ببلدي بشكل مباشر وعلني ولم يطرق بابي أحد من المخابرات ، صحيح كنت موظفة تقريباً ببلاش يعني مابقبض من راتبي إلا القليل من كثرة العقوبات لآرائي التي لاتعجب الفاسدين .. مع ذلك أنامع المخابرات السورية ، ورجال الجيش العربي السوري إلي عم يضحي بأرواح شبابه ليحمينا من التكفير والتقطيع والإغتصاب والحرق والتفجير .. لنعيش بأمن ، شفت شوصار بجامعة دمشق اليوم ، ليش ليحكمنا الوهابيين التكفيريين المتصهينين .. شكراً زياد كلامك دائماً بيلامس عقلي وروحي .. فما بالك بي موسيقاك .. اللي بتسعدني وبتشعرني بالفرح وبتخفف عني عبء الحياة ،وعبء إلي عم يصير ببلدي سورية والشام العتيقة .. بحبك زياد .. مواطنة عربية سورية ..
-
كيف يعرف رامي الأمين"أما الجمهور المصري، فهو على الأغلب ليس مهتماً بسماع آراء زياد السياسية، بقدر ما هو مهتم به كفنان كبير" كيف عرف رامي الأمين رأي الجمهور المصري بزياد وهل أقام استفتاء ووصل إلى هذه النتيجة؟ زياد وضاح أنّه على موجة اليسار ورفض صعود الأصولية وهذا يكفي لكي يطل على الجمهور المصري العريض الذي يضم كثيرين من اليساريين والمدنيين. أتعجب كيف يعمد بعض الكتّاب إلى كتابة متسرعة لا تستند إلى دليل وينسبونها إلى بلد من ٨٠ مليون.
-
"ما لبث أن قال"في موضوع سوريا قال زياد حرفياً: " إذا بدي صير إسمع شخص عم يقرا بيان ما سمعت منو بآخر عشر سنين إلا بأفغانستان..أنا مع المخابرات، والشعب السوري مع المخابرات.. قدام هيدا التيار اللي مش معروف مين مصرّ يحطوا بهي بالمنطقة ". وكان حاكي عن رأي الموسيقيين السوريين اللي بيشتغل معهن "اللي بعضهن كان بالسجن وبعضهن كان بالمنفى " يعني اللي كلهن عندهن مشكلة مع النظام، بس قدام اللي عم بيصير هلق، بدهن الوضع يظبط بأي طريقة حتى لو بطريقة النظام السابقة.
-
تحية لزيادموقف الاستاذ زياد مفهوم وهذا دور وموقف كل مثقف، بآن يرى ما لا يراه الانسان العادي، فليس احد منهم ضد التطور او تطلعات الشعوب،ولكن السؤال كيف تكون الثورة؟ الثورة وفق مفاهيم تعني الوثبة الي الامام تطور،بخطوات متتالية،فلا يمكنك ان تقول لي انك تعمل ثورة فتقطع شجرة، وتحرق اخرى،بدلاَ ان تزرع منها الالاف لتثمر،فهذه ثورة بمفهوم الانتاج. وهكذا دواليك. وفي كل دول العالم المتحضر اذا تظاهر جمع ما امام المالية مثلاً،وبدآ المتظاهرون بالتخريب والقتل،ماذا تكون النتيجة الرد، القوي من قبل السلطة فالذي جرى ويجري في سورية لا يعد ثورة،وان اتخذ في بعض الاماكن صورة من صور المطالب المحقة،فالذي يجري هو تدمير بلد كامل وتحويل حياة ٢٣ مليون انسان الى جحيم اسود. تحت تسمية ثورة واسلام وحياة افضل الخ. فلا هي ثورة ولا هذا هو الاسلام،فالاسلام الذي لا ينادي بمحبة الاخر ليس اسلاماً،والثورة التي تحاور عدو الامة،ولا تحاور الاخوة في الوطن وتطالب بآلغاءهم وتسعى لفرض مفاهيمها على الشعب بقوة السلاح ليست من الثورة بشئ.
-
عيب يا زياد تكون مع المخابراتعدم ذكر سيد درويش يعتبر "نقصاً فاضحاً في الإعداد". وأما حين قال زياد "أنا مع المخابرات أكيد، والشعب السوري مع المخابرات، مش مع هيدا التيار المتطرف" يعتبر كلاما طاهرا؟ هل يمر هذا الكلام مرور الكرام؟ للاسف أن زياد "عبقري الشعب" كما كنا نعتبره قال هذا الكلام. إنها جريمة بحق لبنان قبل سوريا. هل نسينا ما فعل النظام السوري وكم عبثت مخابراته بنا؟ وهل يحق لنظام المخابرات أن يبقى سيف على وداخل رؤوس السوريين؟ وين صرت يا زياد؟ عيب تكون مع المخابرات. والتطرف ما جاب الا تطرف. ليش ما بتسأل يا زياد رحباني ليش هالناس صاروا هيك متطرفين؟ وهل لا يحق رئاسة سوريا الا من سليلة حافظ الاسد. هالاسئلة ضعهم بامانتك وفكر فيهم جيدا. لا اتحدى بل اضع ايضا جريدة الاخبار في موقع المؤتمن بنشر الاراء بموضوعية ومهنية. وشكرا
-
أحلى زياد !لا نملّ من مقالاته ولا مسرحياته ولا فنه ولا موسيقاه ولا أسلوبه الفريد ولا آرائه السياسية!