منذ دعوة «مهرجانات بعلبك» فرقة Massive Attack عام 2004، لم يستمتع جمهور الفرق الأجنبية الحديثة والشبابية وذات التوجه غير التجاري (روك بديل، روك مستقل، إلكترو – روك، تريب – هوب...) بمواعيد ترضي اهتمامه. وبما أنّنا ما زلنا على مسافة أشهر من مهرجانات الصيف، فإعلان قدوم فرقة الروك المستقل Tindersticks، فاجأ إيجاباً هذا الجمهور.
وضاعف هذه المفاجأة عدم توقّعه أن يكون الداعي «ليبان جاز»، علماً بأنّ «سلوكيات» هذا المهرجان التنظيمية، من شأنها تخفيف الاستغراب حيال عدم أمانته لعنوانه الواضح، أي «الجاز». لذا، سنتعمّد «نسيان» عنوان المهرجان، ونكتفي بمقاربة موضوعية للفرق الضيفة، بصرف النظر عن مدى علاقتها بالجاز. ويمكن القول إنّ «ليبان جاز» يحقق إنجازاً في دعوة Tindersticks. الفرقة تُعَدّ الأفضل في فئتها منذ تأسيسها قبل نحو عقدين. الجمهور اللبناني يعرف جيداً هذه الفرقة التي أُعجِبَ جيل ما بعد الحرب بمغنيها ستيوارت ستابلز (الصورة)، صاحب الصوت الجميل والمعبِّر (أداءً ونبرةً طبيعية) عن المزاج الحزين لمعظم أغانيها، وبذائقة أعضائها في وضع نغمات لا تدّعي التمايز ولا تجترّ تجارب الثمانينيات. بالمناسبة، فالأمن العام اللبناني يعرف أيضاً هذه الفرقة؛ إذ جنّد يوماً «رسّاميه» لإلباس تلك المرأة الحامل التي تكشف عن عريها (غلاف أسطوانة Simple Pleasure)، صدريةً بحبرٍ ظلامي أسود. هذا إذا ادعينا أنه تطوّر منذ 1978، يوم صدرت أسطوانة لإلياس الرحباني تزيِّنها مومس سادية الميول في لقطة تنضح بالإيحاء الجنسي من دون أن تتعرض للـ coloriage الرسمي! أصدرت الفرقة أسطوانات عدة لاقت نجاحاً كبيراً (خصوصاً Curtains) لسبب أساسي يضاف إلى قيمتها الفنية (عمودها الفقري هو اعتماد التوزيع الغني لناحية تعدد الآلات والأصوات)، هو تعبيرها الصائب عن الاكتئاب بشكله المعاصر، أي ذاك الذي عُدّ مرض العصر الناتج ربما من العولمة والمفاعيل السلبية للحداثة بسبب التفرُّد الأميركي بقيادة العالم بعد انهيار المعسكر الاشتراكي التي قدّم «رؤية أخرى» لإدارة المجتمع. وفي سياق الشهرة التي اكتسبتها الفرقة، نشير إلى تعاونها مع كلير دوني في وضع موسيقى معظم الأفلام التي أنجزتها المخرجة الفرنسية منذ منتصف التسعينيات أولها Nenette et Boni وآخرها White Material. إذاً، «تيندرستيكس» في بيروت لتقديم ألبومها The Something Rain الذي تحافظ فيه على مستوى فني لم يهبط يوماً، وتكمل مشوارها في التعبير عن حزن لم تغب أسبابه.