لا تصدقوا «النهار». لم يختفِ الصيادون. لا تصدقوا «المستقبل»، لقد نقلت الخبر عن «ال. بي. سي». ولا تصدقوا «ال. بي. سي». لم تتأكد من الخبر، بل أضافت «البهارات» إلى خبر «أم. تي. في». وبكل تأكيد، لا تصدقوا «أم. تي. في». إنها «تمزح». الصيادون من «درجة أقل» ويمكن «اختراع» خبر اختفائهم. وفي بلاد مهتزة كهذه، يمكن أن يصدّق الجميع.
لقد وقعت المؤسسات الإعلاميّة المذكورة أول من أمس، ومعها الشعب اللبناني ضحيّة سماجة mtv، التي ارتأت بث خبر عن «اختفاء خمسة صيادين في عرض البحر» للاحتفال بـ «كذبة نيسان». واللافت أنّ المؤسسات التي نقلت الخبر، بسرعة تستحق التصفيق، نسبته إلى نفسها ولم تنسبه إلى المصدر «المهضوم». لم يكلّف أحد نفسه عناء التدقيق، وتصرف الجميع كما لو أنه في سباق إلى مجد الـ«سكوب». يا للهضامة.
حسناً، هذه ليست «هضامة». ربما تكون «الهضامة» الحقيقيّة عند المؤسسات الأخرى «الغشاشة» التي نقلت الخبر عن mtv كما يغش الطلاب في الامتحانات بخساسة، وفيما تقع محطة المرّ مراراً وتكراراً في فخاخ العنصريّة، وتقذف شوفينيتها في أكثر من اتجاه، حتى بات الأمر شبه معتاد، بدا لافتاً أن lbci التي تحيط بها «هالة» المهنيّة، سقطت سقوطاً مدويّاً. بخفة لا تحتمل، نقلت الخبر الثاني، تحديداً ذاك الذي أضاف إليه مبتكر الكذبة «المهضوم» أنّ الجيش اللبناني والدفاع المدني يبحثان عن الصادين الذين اختفوا. في الأساس، الخبر كذبة. وهذا يجيز لاحقاً للمشاهد أن يتعامل مع كل الأخبار الواردة على هذا النحو. والبلد «مهزوز» ولا يحتمل هذا القدر من الخفة. لا نتحدث هنا عن «خفة الدم» طبعاً، بل عن «خفة العقل». استغلت mtv سلطتها، وقوة تأثير التلفزيون، فضربت القانون بعرض الحائط، وبثت خبراً كاذباً، وتلاعبت بأعصاب المشاهدين (لا جديد هنا). والأنكى، أنها سخرت من الصيادين واستخفت باختفاءاتهم السابقة. والأنكى من ذلك كله أنّ القنوات التي وقعت في الفخّ، عادت وحذفت الخبر بلا توضيح ولا اعتذار، كما تحدث الأمور في الغابات.
في الأصل، لا أحد يمكنه أن يفهم لماذا تصر mtv على تقمص صورة «المستعمِر» الكريهة والتباهي بها. تارةً تسمح لضيف بأن ينعت الأفارقة بالـ«العبيد» (17 آذار 2013) وطوراً تقول في تقرير إخباري إن مشكلات سير الشاحنات في لبنان سببها السائقون و«خصوصاً السوريين». ويشدّد «الأخ جوني» (طانيوس) معد التقرير المذكور (23 آذار 2013) على كلمة «السوريين» كأن بحوزته خبراً ثميناً يريد أن يرميه على عجل. بعد الاعتذار على كلمة «أخ» التي قد تثير حفيظة «جوني»، لا بد من العودة إلى المواطنين، السكان الأصليّين، ضحيّة mtv. هؤلاء الذين لن يسعهم تصديق «الكذبات» اللاحقة؛ فالجميع يمكنه اجتراحها بهذه البساطة، والجميع «ينقل» عن الجميع. وفي الحديث عن «الكذب» في اختراع الخبر و«الغش» في نقله، تحضر «الأخلاق». هل هناك حد أدنى منها في هذه البلاد؟ هل ثمة من يعتذر عن هذه الوقاحة؟ يبقى السؤال الأصعب: هل هناك شيء اسمه قانون؟