أنا «سمو الأمير» الوليد بن طلال، لم أطلب هذا اللقاء. أنا لا أحبّ الأضواء. أنتم طلبتم اللقاء أيها الإعلاميون والإعلامية. ولا أعرف من الذي طلب من 23 فضائية نقله على الهواء مباشرة. هذا كثير حقاً. لقد أشعرتموني بالحرج. وما هذا الديكور في الاستوديو؟ لماذا كل هذه الصور لي، وكيف التقطموها؟ أنا لا أحب الكاميرات. من أين حصلتم على كل هذه الصور لي مع عظماء العالم؟ ياه! أنظروا، هذه صورتي مع ستيف جوبز، رحمة الله عليه، كان عبقرياً. وهذا بيل غيتس صديقي وشريكي في الأعمال الخيرية، وهؤلاء الزعماء كلهم... حقاً أحرجتموني. أشعر بأنني سأنزل تحت الطاولة من الخجل. بالمناسبة، الطاولة التي وضعتموها لي في الاستوديو لا بأس بها، وهذا الكرسي المكتبي الجلدي المريح يناسبني تماماً. كيف علمتم أنني أحب هذا النوع من الكراسي؟! يا الله، إنها حقاً لمفاجأة سارة. أخبروني كيف أقنعتم 23 محطة بنقل اللقاء على الهواء؟
أريد أن أعرف، ولو أنني متأكد أنها محطات تحبني كثيراً لشخصي وتاريخي وإنجازاتي. انا أكيد أنها محطات تقدّر العظماء مثلي ولا يهمّها المال. على كلّ، وبما أنّ الإحراج قد وقع، ونصبتم لي هذا الفخ، واستدرجتموني رغماً عني إلى هذه المقابلة، سأجيب بسرور عن أسئلتكم، وأعطيكم رأيي بما يحدث في المنطقة.
طبعاً أنا ملياردير، لمن لا يعرفني. وأظن أن كثيرين لا يعرفونني نظراً إلى تواضعي، وعدم حبي للظهور والأضواء والاستعراض، ومن لا يصدقني، فليسأل خالتي ليلى في لبنان. هي خير من يعرفني ويعرف تواضعي. أنا عصامي يا جماعة. اقترضت من أبي 30 ألف دولار عندما كنت شاباً، وجربت العمل، فأفلست، ثم عدت إليه فأقرضني 300 ألف دولار أخرى، وأفلست من جديد. ثم أعطاني قصراً وقال لي: ارهنه للبنك. ذهبت إلى البنك، واقترضت بعد رهن المنزل 600 ألف دولار، وبدأت العمل، حتى صار معي مليارات. البنك الذي أقرضني المال في شبابي صار ملكي. لكن تعلمون، المال ليس كل شيء. لهذا أنا أهتم بشؤون أخرى. وأنا وطنيّ حتى العظم، ولا أسمح لأحد أن يتعرض للمملكة وملكها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز. مرة انتقدت مجلة «فوربس» المملكة، فلقنّاها درساً لن تنساه. سأقول لكم بصراحة: «القذف» (ولا تفهموني خطأ) بسياسات المملكة النقدية مرفوض. لكن مع ذلك، دعوني أنتقد المملكة اقتصادياً: لا يجب أن يعتمد 92% من اقتصادنا على البترول. هذا خطأ وخطر. علينا أن نفكر في مصادر دخل أخرى غير البترول. إذا نفد البترول، نضيع. نفلس. لا سمح الله.
تسألون لماذا لديّ كل هذه القنوات الفنية؟ وكيف يمكن أن ألائم بين هذا الأمر وبين المجتمع السعودي المحافظ؟ هذه، أقولها لكم بصراحة تعليمات الملك عبدالله لإظهار السعوديين بصورة معتدلة في العالم العربي. لا يهمّنا وضع المرأة في السعودية. هناك، في الداخل لتلبس النقاب. لكن عندي في شركاتي، وإظهاراً لصورتنا المعتدلة، لا نلزمها بشيء، طالما زوجها موافق وأبوها موافق وأخوها موافق. في السعودية، لا تقود المرأة السيارة، لكن معي تقود الطائرة. ونحن في قنواتنا لا نريد للمرأة أن تكون سلعة. أعوذ بالله. كل هذه الكليبات والبرامج ليست للبيع، ولا لدرّ الإعلانات والأموال. هذه كلها برامج لخدمة سياسة المملكة. وكل ما نطبقه يأتي بناء على الشريعة. أنا أؤدي الزكاة مئة في المئة والحمدلله، الذي لا يُحمد على مكروه سواه!
حسناً لن أطيل عليكم. 3 ساعات فقط. ولا تحاولوا أن تقلبوا المحطة، ستجدونني أينما توجهت أصابعكم على أزرار الريموت كونترول. أنا في كل مكان الليلة في 23 محطة. وستسمعونني يعني ستسمعونني. هذا ليس ربيعاً عربياً الذي ترونه في بلدانكم. أنا أسمّيه الدمار العربي. صحيح كنت صديقاً وشريكاً للكثير من الطغاة الذين أسقطتهم شعوبهم في مصر وتونس مثلاً، إلا أنني لم أدخل يوماً في فساد أي من الدول. كانت هناك حوادث لتوريطنا في الفساد لكننا لم نتورط. ماذا؟ مضطرون للتوقف مع إعلانات؟ طيب أكثروا منها، هذه تأتيني بأموال إضافية. نحن الآن خارج الهواء صح؟ حسناً، دعوني أسألكم، هل تلفظت بما لا يتناسب وسياساتي؟ آه قضية الربيع العربي والدمار العربي لم تكن موفقة؟ حسناً، اسألوني عنها مجدداً بعد الإعلان.

(بعد الإعلان)

أنا لم اقصد القول إن الربيع العربي كان دماراً عربياً. ما قصدته أنّ من تولوا السلطة بعد ثورات الشعوب حوّلوه إلى دمار بسياساتهم الخاطئة. لم أقصد الشعوب. الشعوب لها حق في المطالبة بالحرية. ولا أحد يمتلك حصانة في هذا المضمار. لكن لا يمكن تطبيق هذه النظرية على دول الخليج. تعلمون، نحن نعيش في صحراء، وهنا لا مكان للربيع. وستسألونني لماذا لم تقم ثورة في السعودية حتى الآن؟ أولاً لأن السعودية مستقرة منذ تأسيسها. ثانياً، صحيح أنّه ليس هناك ملكية دستورية لدينا، لكنها ملكية شرعية. ثالثاً الوضع الاقتصادي ليس سيئاً، ورابعاً، الثورات تقوم على الحكام المكروهين، والملك عبدالله محبوب. أنا أيضاً محبوب. اسألوا موظفي «باك» الذين صرفتهم.

يموتون بدباديبي!


حسناً، لا تصدّقوا كل ما سمعتموه في هذه المقابلة. اليوم هو الأول من نيسان، وأنا أحتفل به مباشرة على الهواء. (لكنه الثاني من نيسان يا سموّ الأمير، يقاطعه أحد الإعلاميين المحاورين). اليوم الثاني من نيسان؟ غير معقول! أنا قلت لكم أريد المقابلة في الأول من نيسان! أقصد أنتم أردتم المقابلة في الأول من نيسان. حسناً، كم يكلّفني أن أغيّر الثاني من نيسان إلى الأول منه؟ (يسحب من جيبه دفتر الشيكات وتنتهي الحلقة على وقع أغنية خالد الهبر «مندفع حقه منشتريه»!)




الأمير «الضالّ» عاد إلى الحظيرة



بدا الوليد بن طلال في المقابلة أول من أمس متجانساً تماماً مع سياسات المملكة العربية السعودية. لم يظهر كرجل أعمال سعودي، بل كناطق باسم النظام بشكل رسمي. لم يحاول التمايز بقدر ما كان يقدّم أوراق اعتماد سياسية لربعه وعشيرته الحاكمة. حتى حينما تحدث عن المرأة، راح يبرر ظهورها سافرة في شركاته ومؤسساته الإعلامية، قائلاً إنّ ذلك لا يتعارض مع الشرع الإسلامي طالما أن أولياء أمرها راضون. وغنيّ عن الذكر أن المقابلة تأتي بالتزامن مع حديث إعلامي عن عقود تجريها «روتانا» مع الفنانات تشترط عليهن لباساً محتشماً في الكليبات، وحدث أن منعت «روتانا» بث أحد كليبات إليسا لهذا الغرض.
يتسامح الوليد بن طلال مع سفور المرأة. لكنه لا يريدها، بعد كل تلك المسيرة في «روتانا»، أن تكون سلعة! أنا لست ليبرالياً، قال، أنا محافظ، أصلّي بحسب المواقيت، وأؤدي الزكاة، وآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. سجل الوليد نظريته حول أنّ الإسلام خليط بين الرأسمالية والشيوعية، بدليل «وإن شكرتم لأزيدنّكم» وهو دليل على أنّ العمل يأتي بالمال والشكر وبوجوب الزكاة، مضيفاً بالقول: «لم يحالفني الحظ إلا عندما بدأت أزكّي 100%». كان ينقص أن يعلن الوليد توبته مباشرة على الهواء. أن يقول: أنا ابنكم الضال، عائد إلى البيت، افتحوا لي الباب، وسأقوم بما يلزم. سأكون ولداً صالحاً، متديّناً، محافظاً، و...«رجعياً»، لكن أريد دوراً سياسياً. ضجرت من إدارة الأعمال. بدا الرجل طامحاً إلى منصب سياسي ما، وأدلى بدلوه في ملفات سياسية كثيرة، داخل السعودية وخارجها. وحينما سئل عن دعمه للإخوان المسلمين، قال: أعوذ بالله! وأضاف: نلاحظ أنّ هناك «روائح إخوانية» بدأت تغزو السعودية بسبب بعض المشايخ في المملكة، وأكد أنه لن يتم السماح لإخوان السعودية باستغلال بعض الفقراء وضمهم إلى التنظيم. كما أعلن تأييده لانتخاب مجلس الشورى في السعودية ولو جزئياً، ووصف قرار الملك عبد الله بإدخال المرأة للمرة الأولى إلى المجلس بـ«المهم جداً»، لكن لكي يكون هذا القرار تاريخياً لا بد له من بندين: الانتخابات ولو جزئية، والأهم الصلاحيات.
استمع الرجل إلى أسئلة الصحافيين الخمسة الذين طرحوا عليه أسئلة نقدية محضّرة مسبقاً، واعتذروا قبل كل سؤال عن نقديتهم. عند طرح هذه الأسئلة، كان الوليد يعطيها علامات: سؤال جيد، سؤال ممتاز، سؤال خطير. ثم يقدّم إجابات تراوحت علاماتها بين «سيئ» و«لا بأس» و«جيد».
باختصار، كان لقاءً ترويجياً لرجل يعيش على الإعلانات. ما هو المنتج الذي أراد الوليد الترويج له؟ هو يمتلك الإعلام والمال والنفوذ. ولا شكّ في أنّه يبحث عن سلطة، عن موقع سياسي، عن شهرة إضافية، تلك التي «تجعل المرء يموت مكروهاً، ولا يموت منسيّاً» على ما يقول إميل سيوران!
رامي...