لم تعد حملات معاداة الإسلام في فرنسا والتحذير من «مخاطر وجود المسلمين على الأراضي الفرنسية» حكراً على «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة بقيادة مارين لوبين. أخيراً، انتقلت حمّى رُهاب المسلمين إلى المحطات التلفزيونية الرسمية الفرنسية. محطة «فرانس 2»، الممولة من الحكومة الفرنسية، قررت إعادة إحياء استطلاع للرأي نشرته صحيفة «لوموند» منذ حوالى شهرين، يظهر قلقاً بارزاً لدى عيّنة من المواطنين الفرنسيين إزاء المهاجرين، وخصوصاً المسلمين.
«70% من الفرنسيين يرون أنّ هناك عدداً ضخماً من الأجانب في البلاد» و«74% من الفرنسيين يقولون إنّ الإسلام لا يتماشى مع القيم الفرنسية وهو دين غير متسامح». تلك هي العبارات التي تكررت في نشرة أخبار «فرانس 2» وفي تقرير صحافي خاص بالموضوع، وفي أحد البرامج الحوارية على «فرانس 3» وعلى «فرانس أو» منذ أسبوعين. تلك النسب وردت في استطلاع أجرته شركة «إيبسوس» على عيّنة من الفرنسيين ونشرتها صحيفة «لوموند» في 24 كانون الثاني (يناير) 2013.
لكن بعد حوالى شهرين، نزل مراسل نشرة أخبار «فرانس 2» إلى الشارع ورصد آراء بعض المواطنين حول نتائج الاستطلاع سائلاً: «هل يخيفك الأمر؟». بعض المواطنين قالوا إن «الإسلام سينتشر لاحقاً في كل مكان. هذا أمر مؤكد». مقدم نشرة أخبار «فرانس 2» دافيد بوجاداس، استقبل في الاستوديو «مدير مركز الأبحاث السياسية» باسكال بيرينو الذي أكّد أن الاستطلاع المنشور سابقاً «يعطي فكرة دقيقة جداً عن طريقة تفكير الفرنسيين اليوم».
لكنّ عدداً قليلاً من الصحافيين الفرنسيين تساءلوا عن سبب نبش «فرانس 2» الاستطلاع مجدداً وتسليط الضوء على نتائجه الآن، فيما علّق البعض على «الخطأ الفادح» الذي ارتكبه مراسلوها في عرض الخبر. يقول الصحافي الفرنسي سامويل غونتييه إنّ كل الذين ظهروا على التلفزيون من محللين وحتى صحافيين ارتكبوا خطأ المبتدئين حين قالوا «70% من الفرنسيين» وليس من «المستجوَبين» أو «من الذين شملهم الاستطلاع». وانتقد غونتييه على مدوّنته تعامل صحافيي «فرانس 2» مع الخبر بطريقة تظهر أنّ النسب الواردة تمثل جميع الفرنسيين وليس العينة المستجوبة فقط.
وأشار غونتييه إلى الطرق غير الدقيقة التي استخدمها الاستطلاع في الأساس، مثل اعتماده على التصويت عبر الإنترنت، وصيغة السؤال المضللة التي «تشبه الى حد بعيد شعاراً سياسياً للجبهة الوطنية اليمينية». وتعليقاً على القراءة الخاطئة لنتائج الاستطلاع من قبل بعض الصحافيين والمحللين على الشاشات، رأى البعض أنّه «لو عبّر 87% من الفرنسيين فعلياً عن رغبة ما أو رأي موحد ما، لخلت نفسي في نظام نازي. حتى النازية لم تنجح في استقطاب ذلك الإجماع في الآراء».
«حجاب، نقاب، إرهاب، حلال، فتوى، محمد مراح، أسامة بن لادن، تفجيرات 11 أيلول... هناك مزيج كارثي في أذهان الفرنسيين عن الإسلام والمسلمين»، قال بعض المحللين، مشيرين إلى أنّ «للإعلام دوراً كبيراً في خلق هذا المزيج وتسويق فكرة معاداة الإسلام من خلال التركيز فقط على تلك المواضيع».
«فرنسا مليئة بمهاجرين من أعراق وأديان مختلفة، فلمَ التشديد على المسلمين فقط؟»، سأل البعض الآخر. هل حان الوقت لطرح موضوع صراع الحضارات على الملأ في جمهورية الإخاء والديموقراطية؟ أم أنّ فكرة التصادم مع الآخر ليست موجودة سوى في العقول وليست واقعاً؟ ما الذي تريده فرنسا من جاليتها المسلمة تحديداً؟ أسئلة كثيرة تطرح على طاولات النقاش الإعلامية، لكن المؤكد أن فرنسا نجحت في السنوات الأخيرة في استفزاز الحركات الإسلامية المتطرفة بسبب سلوكها الداخلي والخارجي. ولعل الدليل الأبرز على ذلك هو تصدّرها أخيراً لائحة الاستهدافات على المواقع الجهادية التابعة لتنظيم «القاعدة».