صنعاء | منذ سنواته الأولى، ارتبط عمار الباشا (1980) بهاجس التوثيق. بكاميرا بدائية، انطلق في توثيق المحيط والبيئة حوله. خطوات أولى قبل أن يدخل هذا المجال بشكل أكاديمي، معتمداً على آلية منهجية في الشغل. حصل على شهادة عليا في الإخراج السينمائي (رسوم متحركة) من الهند (2008)، ثم نال دبلوماً في الفنون السينمائية من الأردن (2012).
بعد اندلاع شرارة الثورة الشبابية اليمنية (2011) التي وجد فيها الباشا فرصة كبرى لتوثيق الحدث من بدايته، أنتج أفلاماً وثائقية عدّة، من بينها شريط «يوم واحد في قلب الثورة» ( 2012) الذي نال جائزة أفضل وثائقي من منظمة Eye To The Heart التابعة لـ«منظمة الكونغرس الاسلامي الأميركي». بعد ذلك، اشتغل على السلسلة ذاتها، فأنجز «يوم آخر في قلب الثورة» و«يوم ثالث في قلب الثورة». اعتمدت هذه الأعمال على توثيق لحظة مفصلية في ساحات التغيير في مختلف المدن اليمينة وإرفاقها بمقدمة تحكي ما كان قبلها. وهي أفلام لا تتجاوز مدتها الثماني دقائق. ثم وصل إلى مرحلة تسجيل «يوم رابع» من تلك السلسلة، وكانت هذه المرّة تتمحور حول منطقة صعدة ذات الغالبية الشيعية التي يسيطر عليها عبد الملك الحوثي، وهو زعيم جماعة الحوثي. ذهب عمّار الباشا إلى هناك بغرض تسجيل فيلمه الذي كان يعتمد في البداية على فكرة الصراع السياسي الذي كان وما زال دائراً بين جماعة الحوثي وبين القوات الحكومية وامتد لنحو ستّ حروب بدءاً من العام 2003. لكن الأمر اختلف تماماً عندما وصل مخرجنا الشاب الى هناك. لقد وجد حالات انسانية ينبغي التوثيق لها لتبدو كحالة شهادة عمّا تفعله الحروب في حياة الناس العاديين.
«هؤلاء أناس لا دخل لهم بشيء، يرغبون في العيش بسلام فقط». يقول عمّار الباشا، مؤكداً أنّ حروب صعدة المتتالية لم تكن إلا بهدف الانتقام من طائفة محددة، مضيفاً أنه لم يلاحظ أي تشيّع أو تطرف ديني كما يُقال. من هنا، قام الباشا بتغيير خطة سير عمل الفيلم مبتعداً عن الثورة ليدخل في الهم الجمعي لأولئك الناس العاديين.
انتهى من الفيلم سريعاً، فالعمل يعتمد على إنجاز اليوم الواحد. لكن حال عودته، احتجزته دورية تابعة لإحدى القبائل المسلّحة هناك. في بداية الأمر، استولى أفراد الدورية على سيارته، و«اللاب توب» الشخصي والكاميرا الخاصة به. وطلبوا منه الابتعاد والعودة سريعاً إلى صنعاء. لكن حدث أن قاموا بتفتيش السيارة ليعثروا فيها على شهادة ملكية السيارة التابعة لمنظمة حقوقية. طلبوا منه على الفور أن يبقى معهم كي ينجز لهم فيلماً وثائقياً يظهر قضاياهم وحجم الظلم الواقع عليهم. «اتفقنا على الفيلم ووعدتهم بإنجازه فعلاً» يقول الباشا لنا بعد عودته سالماً إلى صنعاء.