من طنجة إلى برشلونة، تدور أحداث «شارع اللصوص» (آكت سود ــ 2012) للفرنسي ماتياس إينار (1972) الفائزة بجائزة «غونكور ــ خيار الشرق» ضمن «معرض الكتاب الفرنكوفوني في بيروت» الأخير. تحكي الرواية يوميّات الشاب المغربي لخضر، الذي يدير ظهره للربيع العربي، مفضلاً مواصلة حلم الهجرة إلى أوروبا، لكنه يجد نفسه مشرّداً وسط «ثورة غضب» الإسبان، فيقرّر العودة إلى البلد.
تحتل طنجة مكانة محورية في «شارع اللصوص». رواية إينار هي رواية المدينة بامتياز. تتعمق في البحث عن حيوات أناس عاديين، ولا تفوّت فرصة وصف الأمكنة الضرورية في مدينة مغربية هي أقرب إلى القارّة العجوز منها إلى الدار البيضاء وبقية مدن المملكة. المدينة التاريخية التي ظلت تعيش وسط تجاذبات عربية ـــ أوروبية، ستنعكس على شخصية البطل ـــ الراوي لخضر الذي كبر فيها، مولعاً بقراءة الروايات الغربية، وخصوصاً البوليسية منها. بقي يتحمّل وزر فضيحة جنسية مع ابنة عمه مريم، ليغادر البيت مرغماً، حالماً باجتياز الضفة الأخرى من جبل طارق، والعيش في اسبانيا أو فرنسا. تتزامن رغبته في الهجرة مع بدايات الربيع العربي، وثورات تونس ومصر التي لا يشعر بالانتماء إليها على عكس ما يحس به تجاه ثورة غضب الشارع في اسبانيا، واحتجاجات الطلبة والشباب التي سيتبناها لاحقاً. ربما جاء اختيار الروائي لشاب مغربي، لا تونسي أو مصري أو سوري ليتحدث عن الربيع العربي بهدف تجنب الجدل واتخاذ مسافة نقدية في التعاطي مع التحولات الراهنة، لكن في الوقت نفسه، تركّز الرواية على أنّ شاباً من الضفة الجنوبية من المتوسط قد يقتسم هموم نظرائه في الضفة الشمالية، أكثر مما يفعل مع بني جلدته. رحلة البطل من طنجة إلى برشلونة دامت أربعة أشهر، وجاءت عقب علاقة عابرة مع طالبة جامعية إسبانية تدعى جوديت، لكنها لم تنته بما حلم به. هو لم يجد من أوروبا التي قرأ عنها في الروايات، وتمناها طويلاً سوى جمال العمران. أما فرص العيش فيها، فقد كانت محدودة. على خلاف رواياته السابقة، يجمع ماتياس إينار هنا أنماطاً كتابية عديدة في قالب واحد مع ميل إلى السرد الشعبي، على نحو يذكرنا بروايات «محطات القطار» التي تقرأ سريعاً وبسهولة، إضافة إلى أنّ الرواية جاءت مكثفة بالأحداث. لم ينس الراوي التعريج على «تفجير مراكش 2011» الذي ترك أثراً عميقاً في أنصار الحركة الاحتجاجية المغربية، وخصوصاً حركة «20فبراير»، ما قلّل من تحمّس البطل للربيع العربي. ليس مصادفة أن يأتي اهتمام روائي فرنسي مثل ماتياس إينار بالمغرب، وتعمقه في الكتابة وفهم الحالة العربية، بعيداً عن الكليشيهات التي تطغى على الرواية الفرنسية. هو يعدّ أحد أهم أوجه الموجة الجديدة من الروائيين الفرنسيين. كشف سابقاً عن اطلاع مهم بالرواية العربية التي يقرأها مباشرة بلغتها الأصل، وخصوصاً روايات محمد البساطي وهدى بركات. وقد سبق أن ترجم نصوصاً أدبية من العربية إلى الفرنسية.