تسع سنوات مرّت على إطلاق Bipod عام 2004. لم تكن الإمكانات المادية المتواضعة لدى «مقامات» آنذاك توحي باستمرار الملتقى. على مدى تسع سنوات، استطاع «مهرجان بيروت للرقص المعاصر» إعادة الجسد إلى بيروت. إلى بيروت وحدها؟ عربياً، جعل المهرجان العاصمة اللبنانية قبلة مدراء مهرجانات ونقاد وفنانين. هذه المنصّة التي تطلّ على التجارب العربية، وتنفتح على الغربيّة في آن واحد استطاعت «أن تربح ثقة الجمهور بالمهرجان وخياراته»، وفق ما يقول مدير Bipod الفنان عمر راجح لـ «الأخبار».
ما يميّز الدورة هو «الملتقى العربي للرقص المعاصر» الذي يقام كل سنتين. تحت عنوان «ليمون»، يقدّم الملتقى مجموعة عروض قصيرة، وعملين طويلين، مكرّساً فسحة للمشاركات السورية المعاصرة مع 11 فناناً سورياً من أصل 22 فناناً عربياً. إلى جانب سوريا، انحصرت المشاركات العربيّة في الملتقى بثلاث دول هي مصر، والمغرب ولبنان مع غياب تونس مثلاً، بسبب تواضع الإمكانات المادية وفق ما يقول راجح، ففيما تلقى العروض الأجنبية الدعم من المراكز الثقافية، يغيب هذا الدعم عن العروض العربية.
يشدّد راجح على أنّ الملتقى العربي يهدف إلى «تأمين مساحة للفنانين العرب للتواصل مع المهرجانات العالميّة». وفي ظل ما يشهده العالم العربي من تحوّلات سياسيّة مفصلية، خصّص «ليمون» في يومه الأوّل جلسةً حوار حول ارتباط الإبداع الفني بالصراعات السياسية يشارك فيها ماتياس ليلينثال، ومي سعيفان، والزميل بيار أبي صعب وتدير الجلسة ميديا عازوري (14/4). تليها عروض سورية قصيرة يشارك فيها مثقال الزغير بعرض «بين الثورة والموت»، وإياس المقداد بـ «أخي وأنا في الحرب» وحسين خضور بـ «الإنسان مرّة أخرى». أما مؤسِّسة «التجمع الفني المستقل للمسرح الحركي ــ ليش» نورا مراد التي شغلتها مقاربة فنون الجسد والهوية، فستقدِّم الجزء الثالث من مشروعها «هويّات». وسيقدّم «حكايات الواقع/ عمليات عقلية» كل من السوري عناد معروف وبيلي بولثيل (بلجيكا/دنمارك). فرقة «سما» التي شاهدنا لها عرضي «دقائق» و«سيلوفان» على الخشبات البيروتيّة، سيشارك مديرها علاء كريميد (خطوط)، وأعضاؤها لانا فهمي (وقفة)، ومحمد وفا البوطي (مهاجر)، وحسن رابح ومازن نحلاوي (عالق) وحور ملص وداريا جميل (7 أشياء أكرهها فيك) في عروض متفرّقة في الملتقى. أما اللبناني علي شحرور من فرقة «مقامات»، فيقدّم مع زميلته ميا حبيس «دنس، موت صغير، الحركة الأولى». العرض الذي يستمرّ 50 دقيقة يعتمد رؤيا كوريغرافية تلعب على العنف الجسدي والنفسي، مع إيقاع لطم للصدور ورقص على أناشيد دينية مع سينوغرافيا بسيطة. من البديهي أن تتطرّق الأعمال السورية المشاركة إلى ما تعيشه الشام كون القضايا السياسية «جزءاً من القضايا اليومية التي يتناولها الفنان في أعماله» يقول عمر راجح، قبل أن يضيف أنّه طلب من المشاركين الامتناع عن «البروباغندا السياسية»، لكن «لا يمكنني أن أملي عليهم ما سيقدمونه، فكلّ شخص مسؤول عن عرضه».
أما اليوم الثاني والأخير (15/4) من «ليمون»، فيشمل حلقة نقاش بين الفنانين المشاركين حول السياسة والعمل الفني. ومن المغرب، يشارك كمال أديسة بعرض «زفير» ويونس خوخو بـ «اليوم هو غد البارحة». أما من مصر، فنحن على موعد مع «قصص صغيرة» للكوريغراف ومؤسّس فرقة «كرامب» للرقص المعاصر منير سعيد، والمصري عزّت إسماعيل عزّت من «استوديو عزت عزت للرقص». ومن الواقع السوري، تقدم مي سعيفان من تجمّع «تنوين للرقص المعاصر» عرضها «قل لي ماذا حلمت في اليوم؟ الثورة السورية». المشاركات اللبنانية في اليوم الثاني اقتصرت على الكوريغراف الآتي من إسبانيا غي نادر الذي سيقدّم مع الإسبانية ماريا كامبوس عرضهما «مقتطفات»، إضافة إلى عرض بسام بو دياب وزي خولي من «مقامات»، كما سيعرض فيلم وثائقي حول «ليمون» (2011) بعنوان «ما هي رقصتك؟» أنجزه الفرنسي إريك أوران. ويختتم النهار بنداء من أجل حرية التعبير في أعقاب الربيع العربي للمغربي توفيق عزديو. في عرضه الطويل «الحلم ــ الوهم» (عمل قيد التطوّر)، يراجع عز ديو الوهم عندما يتفوّق الجسد على الوعي.
لا فكرة موحّدة تجمع أعمال الملتقى بل يحرص راجح على ثلاثة مقاييس في اختيار العروض: «ما يضمن غنى المهرجان وتنوّعه، إضافة إلى العروض التجريبية التي تحمل طرحاً جديداً على مستوى الرقص والأفكار، والأعمال الجديدة». خلال مؤتمر إطلاق Bipod، أعلن راجح أنّه سيتخلّى العام المقبل عن منصبه كمدير للمهرجان لـ «إفساح المجال لأشخاص يحملون أفكاراً ورؤى جديدة، من شأنها ضخ دماء في المهرجان»، قبل أن يضيف مدير فرقة «مقامات بيت الرقص» بأنّه يريد التفرّغ للعمل الفني.