بمشهدية أقرب إلى السريالية، تتعاقب على بعض الشاشات اللبنانية منذ فترة ستّة أشرطة ترويجية تبثها جمعية «نساء رائدات» (women in front) بالشراكة مع وزارة الإعلام ومنظمة Smart Center. المقاطع المصوّرة تحثّ المرأة اللبنانية على خوض المعترك السياسي. وجوه نسائية من أهل الفن، والمجتمع المدني (ليندا مطر، ندى بو فرحات...) يخترقها المغامر اللبناني مكسيم شعيا، توحّدوا حول شعار: «مين معِك؟ كلنا معِك». سريالية التمثيل ومحاولات الإقناع مقارنة بالواقع المَعِيش، تبدو كمن يتحدّث من خارج الحدود اللبنانية. وما يزيد الطين بلّة هو ذاك الدعم المادي المهول والمعلن للمشروع الذي توفّره السفارة الأميركية في بيروت، والذي يصل إلى آلاف الدولارات. دعم يرسم علامات استفهام كبرى حول هذه الجمعيات التي تعدّ بالمئات وتفرّخ سنوياً بالعشرات، والصراعات الناشئة في ما بينها، وخصوصاً في احتكار بعضها للقضايا النسوية وتقاسمها كـ«أسهم تجارية».
الصحافية رويدة مروة خبرت عمل المجتمع المدني وخباياه عن كثب. في حديثها إلى «الأخبار»، لا تضع الشابة اللبنانية كل الجمعيات النسوية (الممولة من السفارات الأجنبية والاتحاد الأوروبي وبعض الصناديق العربية) في الكفة عينها من حيث الجدية والشفافية. هي تميّز بين نوعين: تلك التي تعمل على إرساء التنمية وتقديم المساندة النفسية للنساء المعنّفات، وتلك التي تركّز على قضايا حقوق الإنسان ونشر الديموقراطية وتشجيع الشباب على خوض الانتخابات. في النوع الأوّل، يكون طبيعياً أن تدخل قضايا الانتخابات ومشاركة المرأة في صلب سياستها المعتمدة. أما في الثاني، فتخصص ميزانيات تفوق المطلوب وترسم علامات استفهام على هذه البرامج، وخصوصاً تلك التي لا تكون ذات نتائج ملموسة. عدا ذلك، يتنقل الناشطون (القلائل في لبنان) من دورة تدريب إلى أخرى، من دون إفساح المجال أمام آخرين، كما تشرح صاحبة «المركز الدولي للتنمية والتدريب وحلّ النزاعات». مع ذلك، ورغم كثافة هذه الدورات، إلا أنّ ذلك «لم يخلق طبقة شبابية تناضل في الميدان لأجل المفاهيم التي اكتسبوها» بحسب مروة، مع تسجيل لافت للالتباس الذي يحصل حول عدم التفريق بين الناشط المدني والسياسي. وتعزو مروّة صعوبة الفصل بينهما، وخصوصاً في مجال حقوق المرأة، إلى عدم توجيه اصبع المسؤولية إلى القوى السياسية المعرقلة للقوانين المتعلقة بحقوق المرأة. لكن ذلك يُكسر فقط عبر التوجّه إلى نساء الأحزاب السياسية ودفعهنّ قدماً لإقرار هذه القوانين، بما أنّ المجتمع اللبناني بأسره مخدّر وغير مهتم سوى بالأمن والاقتصاد.
يشكّل الثقل الترويجي في وسائل الإعلام والإعلان دفعاً أساسياً لبعض هذه الجمعيات، لكن الأمر لا ينسحب على عملها الميداني بالصورة عينها التي يروّج لها. لا شك في أنّ العملية الإعلانية تسهم في رفع الوعي في صفوف المارة والمشاهدين. لكن هناك جمعيات أخرى تعمل في الظل بسبب ندرة مواردها المادية، وهي موجودة منذ سنوات طويلة على الأرض، ويلحقها ظلم واضح مقارنة بمثيلاتها. إلى جانب ذلك، دخل العالم الافتراضي بقوّة إلى ساحات هذه الجمعيات وبات يشكل منبراً واضحاً لتحركاتها، مع ملاحظة التفاوت الكبير بين المؤيدين والمغالين الافتراضيين وبين ما تشهده التظاهرات على الأرض من هزالة في الحضور والتأييد. الإعلام الافتراضي بات يستخدم كأداة للضغط على الممولين عبر التركيز على عدد المؤيدين الافتراضيين الضخم للقول إنّ لدينا جمهوراً واسعاً يدعمنا بغية تحصيل المزيد من الأموال.
استطاعت الناشطة حياة مرشاد حجز مكانة لها في الإعلام النسوي الغائب كلياً عن الشاشات والإذاعات عبر برنامجها «شريكة ولكن» («صوت الشعب» ــ الثلاثاء 12:30) بشكل مجاني وفي غياب تام للإعلانات. استطاعت موجات الإذاعة أن تصل إلى شرائح عدة، وعزز من ذلك الإعلام الافتراضي الذي أوصل الصوت والصدى في مقاربة حقوق النساء وقضاياهنّ. ترى مرشاد أنّ العقلية الذكورية لا تقتصر على الرجال، بل تشمل النساء، مع رفض كثيرات ترشح المرأة للانتخابات البرلمانية خوفاً من أن «يُحكمن» الجنس الناعم! في موازة ذلك، تستعد مرشاد لإنشاء جمعية Fe-male التي ستدعم الكثير من المبادرات الشبابية للذكور والإناث على حد سواء، إيماناً منها بالمساواة بين الجنسين.
في الحديث عن الإعلام النسائي أو النسوي، مع أهمية التفريق فيه بين ما هو تجاري ترويجي وما هو حقوقي توعوي، يطل الجنس الخشن. على سبيل المثال، فموقع «ربيع المرأة» (الأخبار 12/6/2012) الذي أسسه طارق أبو زينب، يروّج لثقافة تسطيحية استغلالية تُختصر بنشر صور اللقاءات والندوات والتقاط الصور مع الحسناوات الحاضرات لنيل لقب «ناشطة» في حال أردن ذلك! وآخر البدع هو الترويج لشخصيات نسائية لا تمت إلى واقع النضال النسوي بصلة وتكريمهنّ. نموذج معاكس يمثله الصحافي علي عطوي صاحب موقع «نسوة كافيه» الذي «انتفض على واقع المرأة المسلّع في الإعلام ليرسم لها إطاراً يليق بها»، وفق ما يقول لـ«الأخبار». موقع عطوي يعاني جموداً في المواد والتحديث بسبب الشح المالي الذي يعانيه مقابل «رفضه الكثير من المغريات»، أبرزها «دخول بعض الجنسيات الخليجية على هذا الخط طلباً للتعارف وللجنس، وطلب بعض الأحزاب تلميع صورتها الداعمة للمرأة، أو تقديم برامج تلفزيونية على شاشات محلية وعربية ترتكز على الترويج للمرأة السلعة مع اغفالها كإنسانة تناضل لنيل حقوقها».