القاهرة | على تويتر، يرسل أحد المستخدمين المناشدة التالية: «لا أملك مبلغ 300 جنيه (45 دولاراً) لكني أريد أن أساعد في نصرة الدين». يجيبه الدكتور فاضل سليمان: «اتصل بالمكتب وسوف نحلّ المشكلة بإذن الله».«المشكلة» هي رغبة الشاب في الالتحاق بدورة تدريبية بعنوان «كيف تحاور ملحداً؟»، ينظمها فاضل سليمان مدير «منظمة جسور للتعريف بالإسلام». وعلى فايسبوك، تغري المنظمة راغبي التعريف بالإسلام، أو بالأحرى راغبي الالتحاق بالدورة التدريبية، بأنّها ستقدم لهم «الأسئلة التي عاد بسببها أكبر فيلسوف ملحد في القرن العشرين إلى الإيمان». لا تذكر الصفحة اسم الفيلسوف، لكنها تقصد على الأرجح البريطاني أنطوني فلو، الشهير بمجادلة المؤمنين والملحدين، رغم أنّ «عودته إلى الإيمان» التي تبدت في كتابه «يوجد إله» There is a God، هي أقرب إلى الإيمان الدارويني الذي لا يؤمن بالأديان المعروفة، وإنما لا ينفي احتمال وجود خالق أو صانع للكون.

لكن بعيداً عن داروين وفلو، وكما في كل قضية يزداد رواجها الإعلامي، ينشأ «البيزنس» المصاحب لها والمستفيد منها. وبالمقارنة مع الميديا التلفزيونية في العالم العربي، يمكن رؤية اهتمام أكبر بكثير بمسألة الإلحاد في مواقع التواصل الاجتماعي، وتسليط الضوء عليها بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم كنتيجة مباشرة لـ«الربيع العربي». يمكن ملاحظة ذلك «البيزنس» في دورة مثل «كيف تحاور ملحداً؟»، بالنظر إلى كونها جزءاً من دورة «أشمل» تحت عنوان «كيف تحاور مرتداً بين الإسلام والمسيحية والإلحاد؟». مناقشة الملحدين هي الدورة الثانية. أما الأولى فجاءت تحت عنوان «كيف تحاور متنصّراً؟» (أي المتحول من الإسلام للمسيحية)، وكل دورة مستقلة لها نفس الرسوم المستقلة (300 جنيه مصري)، وهي كأي نشاط تجاري تقدم عدداً من الإغراءات والحسومات، تتضمن «خصم 50 جنيها للطلبة»، و«تذكرة مجانية لكل مجموعة مكونة من 5 أشخاص»، و«خصم 100 جنيه (500 جنيه بدلاً من 600 في حالة الاشتراك في دورتي «كيف تحاور متنصراً» و«كيف تحاور ملحداً؟)!
في «كيف تحاور ملحداً؟»، لا يحاضر سليمان وحده، بل يشاركه أستاذ جراحة سابق، يُفترض أن يقدم كلاهما الذخيرة التي يستخدمها المؤمنون في محاورة الملحدين، فمن هم المرشحون للالتحاق بدورات كهذه؟ تقدم الصفحة اقتراحاتها: «مؤمن يريد أن يرقى بإيمانه، من إيمان الميلاد إلى إيمان اليقين، حتى يمتلئ القلب بالشعور بأن الله حق، مؤمن غابت عنه حقيقة الإنسان كجسد وروح، مؤمن لم ينزل العقل والعلم منزلتهما في منظومة الإيمان، مؤمن يبهره ما يردده الملاحدة حول مساهمة العلم في تأكيد المفاهيم الإلحادية حتى قالوا إنّ «الإله وهم كبير، وإن الدين أفيون الشعوب»، فيغمره شعور خفي بالنقص بدلاً من أن يغمره الشعور بالزهو». وأخيراً، لا تستثني الصفحة الملحدين من خدماتها «أو ملحداً، اتشح بالعلم، عن كبر أو عن جهل، ورأى فيه برهان الإلحاد بدلاً من أن يرى فيه أدلة الإيمان».
النماذج السابقة هي التي «يجب» عليها أن تحضر الدورة كما تزعم الصفحة التي لاحظت كغيرها أن الإلحاد صار قضية متداولة في العالم العربي، نتيجة أفعال الذين «اتشحوا بالعلم» حسب تعبيرها، لكن في العمق لا يقتصر الأمر على البيزنس، بل يمتد إلى النظر إلى الأفكار كما لو كانت أمراضاً غريبة أو عيّنات للفحص والعلاج، ومن ثم، فإن على الشباب الذي يريد أن «يكافح» تلك الحالات، أن يحصل على الدورة كما يحصل المرء على دورة إسعافات أولية، أن يتقوى بالمقولات الجاهزة والأسئلة المصوغة مسبقاً والدفوعات المضمونة، وباختصار، أن يمنح عقله الخاص مزيداً من التحصينات لمنعه من التفكير والوصول لاستنتاجاته الخاصة.