لا تصنع السينما التغيير. إنّه حمل لا تقوى عليه. قد تؤثر وتحرّض، وتستشرف، لكنها تبقى السبيل الأفضل لاكتشاف مجتمع ما، ومكنوناته وتناقضاته والنزول إلى شارعه والتماس نبض ناسه. إنّها الأدب البصري بامتياز. وهذه المرة، تأخذنا «متروبوليس أمبير صوفيل» إلى إيطاليا لاستكشاف نبض مثخن بمشكلات البطالة والهجرة والنقمة عل الحكومات والكنيسة. بعد أربع تظاهرات خُصِّصت للمعلّمين الكبار في هذا الفن أمثال أنطونيوني وفيلليني وفيسكونتي، ها هي «متروبوليس» والمعهد الثقافي الإيطالي يوجّهان تحية إلى السينما الإيطالية المعاصرة مع عرض تسعة أفلام ابتداءً من 25 نيسان (أبريل).
تبرز تظاهرة «السينما الإيطالية المعاصرة» سعي المنظمين إلى تقديم مجموعة رمزية من الأشرطة لكل منها قيمته الخاصة، أسلوباً ومضموناً. ومن الأفلام المعروضة عملان للمخرج ناني موريتي هما «غرفة الابن» (25/4) الحائز السعفة الذهبية في «مهرجان كان 2001»، و «لدينا بابا» (3/5) الذي شارك في المسابقة الرسمية في المهرجان عام 2011. يُعَدّ «غرفة الابن» من أبرز الأفلام الإنسانية التي اتخذت الموت ثيمة لها. يتحدث عن الموت كفكرة قادرة على قهر الإنسان. يرصد الفيلم جيوفاني (جسّده موريتي نفسه) الذي يظن أنه مصاب بالسرطان وموشك على الموت، فيحاول التعايش مع الفكرة ويُعِدّ نفسه للرحيل، قبل أن يكتشف أنّ الطبيب أخطأ في تشخيص مرضه. شكّل الشريط صدمة إيجابية لتزامنه مع أخطاء طبية قاتلة التي شهدتها إيطاليا آنذاك، لكن هذه المرة، لم يشأ التركيز على مآسي ذوي الضحايا، بل على مأساة الضحايا أنفسهم. أما فيلم «لدينا بابا» الذي أثار جدلاً واسعاً بسبب سخريته من البابا، فيتحدث عن بابا وهمي اختير من بين 100 كاردينال ليتولى المسؤولية التي لا يستطيع تحمّلها، فيحاول الهرب، ويضطر الفاتيكان إلى الاستعانة سراً بطبيب نفسي، هو موريتي أيضاً، ليساعد البابا على التأقلم مع حياته الجديدة. يتحايل الفيلم على النقمة الإيطالية من الفاتيكان وميزانيته الخيالية التي يدفع قسماً وافراً منها الإيطاليون أنفسهم. تقدم التظاهرة فرصة أيضاً للتعرف إلى المخرج المتألق ماثيو غاروني عبر «غومورا» (29/4) الذي ينزل إلى العالم السفلي لإيطاليا حيث تنتعش المافيا التقليدية. يقدم الشريط حبكة حقيقية ومتكاملة عن أدق تفاصيل هذا العالم، ما قاده إلى الفوز بالجائزة الكبرى في «كان 2008»، ورُشّح لجائزة أوسكار لكشفه الحقائق المفزعة للغومورا (المافيا)، ومدى سطوتها على مجتمع نابولي من خلال خمس قصص متداخلة الأحداث والوقائع. كذلك، يحضر فرزان اوزبتيك مع «حضور مبهر» (2/5 ـ 2012) الذي يحكي عن الحلم الذي لا يموت في بلاد المليون فنان. تدور القصة حول الشاب بيترو الذي يحلم بأن يصبح ممثلاً، فيغادر مسقط رأسه صقلية وينتقل إلى روما حيث يشتغل في فرن ليلاً ويكرّس نهاره للبحث عن فرصته في عالم السينما. تدور الأحداث في الأربعينيات وتقدم مزجاً خلاقاً بين الواقع والخيال، بين ما يتمناه المرء وما يدركه. في التظاهرة أيضاً «مئة مسمار» (28/4 ـ 2007) لارمانو أولمي عن قصة أكاديمي بارز في «جامعة بولونيا» قرر التخلي عن مهنته والانزواء في مبنى قديم على ضفاف نهر الـ«بو» الإيطالي الهادئ، ليعيش حياة بسيطة. وهو حلم كل إيطالي يود الهرب إلى البساطة لتحقيق سلامه الداخلي. إنه فيلم انساني كسائر أعمال أولمي التي تعتبر الحياة البسيطة أفضل سبيل لمقاومة النزعة الاستهلاكية في أوروبا. فيما يأخذنا مايكل أنجلو فرامارتينو إلى بلدة جبلية بعيدة في كاولونيا (جنوب إيطاليا). يعود بنا «الأزمنة الأربعة» (30/4 ـ 2010) إلى أسطورة فيثاغورس الذي يقال إنّه عاش أربع حيوات. قيمة الفيلم أنّه لا حوار فيه، بل معالجة تصويرية لأحداثه، وهو مثالي لمحبّي الأفلام الفلسفية. 
ولأفلام الجريمة والتشويق حصة مع «فتاة البحيرة» (26/4 ـ 2007) لأندريا مولايولي الذي حاز نجاحاً باهراً ويتحدث عن اكتشاف جثة امرأة على ضفاف البحيرة، فتبدأ عملية التحقيق لتكشف الأحداث أنّ أسراراً خطيرة تكمن خلف هذه المرأة. يقطع الشريط الأنفاس ويذكّرنا للحظة بأسلوب أغاثا كريستي الروائي، فيصبح المشاهد شريكاً في محاولة حلّ اللغز الذي لا ينكشف حتى اللحظات الأخيرة من الفيلم. ومن الأفلام أيضاً شريط المخرج الشهير فرانشيسكو بروني scialla «برويِّة» (1/5 ـ 2011) الذي يتحدث عن لوكا الذي يبلغ 15 عاماً ويعيش مع والدته التي تضطر للسفر إلى أفريقيا، فتتركه مع برونو الخمسيني الذي يعمل مدرساً بعدما ترك مهنته ككاتب، لكنها تخبره قبل رحيلها أنه هو والد لوكا الذي يجهل الحقيقة. وتبدأ العلاقة المتوترة والفاترة بين الرجل والفتى. وأخيراً، يحضر كارمن أموروزو بشريطه Cover Boy (27/4 ــ 2007) ليعيدنا إلى أفلام الأزمة الاقتصادية والبطالة المتفشية في أوروبا.



«السينما الإيطالية المعاصرة»: بدءاً من 25 نيسان (أبريل) حتى 3 أيار (مايو) ــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/204080