تماماً كما هي الأرض السورية خصبة لانتشار الفتاوى الظلامية والجهل والتخلف، فإنّها تصلح أيضاً شماعةً تعلَّق عليها بطولات وهمية. كلما تعثّرت علاقة مراسل مع الفضائية التي يعمل فيها، يحوِّل القضية إلى معركة يخرج منها مهزوماً، لكن على طريقة المناضلين والفرسان والأبطال! قد يكون ما سبق شبيهاً بما حصل مع مراسلة «الميادين» التونسية مليكة الجباري.
بعد انتهاء عقد عملها مع الفضائية في الأول من الشهر الجاري، وعدم تجديده من قبل «الميادين»، شنّت مليكة حرباً شعواء على القناة وأصدرت أخيراً بياناً مطولاً بلغة العصر الجاهلي قالت فيه إنّها تعرّضت «للثلب والتشهير من قبل قناة تدّعي حرصها على القضية الفلسطينية». واستطردت بأنّ ذلك جاء بسبب اعتراضها الشديد على خطّ المحطة الذي «يناصب العداء للثورات العربية، ويحض المراسلين على دعم الرئيس بشار الأسد ونظامه والازدراء بالثوار ونعتهم بالعصابات الإرهابية». وأكملت بلغة ركيكة قائلة إنّ «الميادين» ضغطت على المراسلين في تونس لاختلاق قضية «جهاد النكاح» وتضخيمه. طبعاً، لم توضح الصحافية المقرّبة من حركة «النهضة» سبب الحديث عن هذا الموضوع في غالبية المحطات، وعشرات الفيديوات التي تبيح زواج المناكحة و«جهاد النكاح». في اتصال مع «الأخبار»، قالت مليكة الجباري إنّها «تركت «الميادين» بعدما «أرادت الأخيرة المتاجرة بشرف المرأة التونسية من أجل السبق الصحافي والاصطفافات السياسية». وعندما أحلناها على عشرات الفيديوات التي تناولت هذا الموضوع، تحولت إلى أسلوب خطباء المساجد قائلةً: «أبرئ المرأة التونسية مهما كان اتجاهها من التهمة المنسوبة إليها، لأنّها أشرف وأطهر وأنبل من كل هذه الادعاءات الزائفة». هنا سألناها إن كانت قد كلّفت نفسها عناء إجراء تحقيق صحافي يثبت بالدليل القاطع براءة كل نساء تونس من جهاد المناكحة، فردّت: «لم ولن أفعل ذلك لإيماني المطلق والعميق بطهر المرأة التونسية». وحين ذكّرناها بأنّ لكل قاعدة استثناءً، ولا بد من العمل بمهنية لإثبات الأحكام المطلقة والعامة التي تدعيها، أصرّت على أنّ «الميادين» ركّزت على هذا الاستثناء وحاولت تعميمه على نساء تونس. أما عن ارتدائها الخمار بعد تسلّم «النهضة» الحكم في تونس، فأكّدت مليكة التي عادت للعمل في التلفزيون التونسي أنّها ترتدي الخمار منذ ستّ سنوات، علماً أنّ رقابة زين الدين بن علي كانت تمنع ارتداء الخمار للإعلاميات. أما المسؤولون في «الميادين»، فيؤكد أغلبهم لـ«الأخبار» أنّ المحطة لم تجدد العقد مع مليكة لعدم الاستفادة منها بالنحو الأمثل، حتى إنها استقدمت إلى بيروت من أجل الافادة منها في النشرة المغاربية من دون جدوى. وبخصوص البيان والمعلومات الورادة فيه، أكّدت إدارة المحطة أنها مغلوطة جملةً وتفصيلاً. يبدو أنّ مليكة أرادت أن تبني أمجادها على موضوع لا يحتمل البطولات.