القاهرة | «جائزة قراء وليست جائزة نقاد» تختزل هذه العبارة القصيرة مجمل الجدل المرتبط بالجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر». منذ تأسيسها عام 2007، ثمة مسافة بين تفضيلات النقاد وخيارات لجان التحكيم. الجائزة التي ولدت أصلاً بناء على اقتراح الناشر المصري الشهير ابراهيم المعلم (دار الشروق) غيّرت من معدلات توزيع الرواية في العالم العربي، وواكبت شيوع ظاهرة الكتاب الأعلى مبيعاً، ثم باتت تعني الناشرين أكثر مما تعني غيرهم.
لذلك، ظلّت تعبّر في نتائجها في مختلف المراحل عن صراعات خفية بين الناشرين الذين يجري تمثيلهم في مجلس الامناء الذي يتولى تسيير أعمالها.
في العامين الأخيرين، بذلت الجائزة جهداً إعلامياً لتحسين صورتها. طافت منسّقة إدارة أعمالها فلور مونتانارو على العديد من معارض الكتب وشاركت في ندوات مع شخصيّات أدبية مرموقة للوقوف على سلبيات الجائزة بغرض تحسين الأداء. وفي إحدى هذه الندوات التي شهدها «معرض القاهرة الدولي للكتاب» الأخير، تصاعدت انتقادات الناشرين العرب إزاء الجائزة، واقترح بعضهم إلغاء تمثيل الناشرين في مجلس الأمناء أو حرمان الناشر المشارك في مجلس الأمناء من الحق في ترشيح منشوراته للجائزة حفاظاً على صدقيتها. وأشار هؤلاء إلى أنّ السنوات التي كان ابراهيم المعلم فيها عضواً في مجلس الأمناء، ضمنت تمثيلاً أفضل لمؤلفات «الشروق» في القائمة القصيرة. وأخيراً، واجه الناشر اللبناني بشار شبارو الاتهام نفسه، حين فُسِّر اختيار روايتين من «الدار العربية للعلوم ناشرون» في دورة هذا العام كتعبير عن نفوذه داخل أروقة الجائزة التي كان بين أعضاء مجلس أمنائها. لكنّ هذه التهمة واجهها شبارو نافياً أي صلة بين عضوية المجلس وعمل لجان التحكيم. ملاحظة أكدتها الناشرة الجزائرية آسيا موساي عضو المجلس في دورة هذا العام التي نوّهت إلى حرص المجلس على الحياد والنزاهة.
منذ الاعلان عن قائمة الروايات الستّ المرشحة للفوز والانتقادات لا تتوقف بشأن خيارات لجنة التحكيم التي اتُّهمت بالانحياز الى الأعمال ذات النبرة الشعبوية ومخاصمة فضاءات التجريب والانحياز للنمط المحفوظي في السرد. تهمة طالت رئيس اللجنة المفكر الاقتصادي جلال أمين الذي واجه تلك الاتهامات بنبرته الساخرة. وتضم قائمة المتنافسين هذا العام اللبنانية جنى فواز الحسن، والمصري إبراهيم عيسى، والتونسي حسين الواد، والكويتي سعود السنعوسي، والعراقي سنان أنطون، والسعودي محمد حسن علوان. علماً بأنّ لجنة الدورة السادسة التي يرأسها جلال أمين، تضمّ الجزائرية زاهية الصالحي، واللبناني صبحي البستاني، والسوري علي فرزات، والمستعربة البولندية بربارا ميخالك ــ بيكولسكا.
أكثر ما لفت المتابعين هذا العام هو جرأة اللجنة في استبعاد كتاب بارزين أمثال هدى بركات، والياس خوري، وواسيني الأعرج. خطوة اعتبرت شجاعة بل دليلاً على صدقية اللجنة وعدم خضوعها لسطوة الأسماء الكبيرة. معايير تلتزم بما قرره مجلس أمناء الجائزة بأنّ اللجنة تبني خياراتها بمعزل عن جنس الكاتب وجنسيته وشهرته. لكنّ الواضح أنّ اللجنة بنت خياراتها على اعتبارات تتعلق بالفضاء السوسيو ثقافي للأعمال المنافسة التي لم يغب عن معظمها الهم الاجتماعي أكثر من الرهانات الفنية المغامرة التي تتعلق بتقنيات السرد أو اللغة. ووفقاً لهذه الاعتبارات، فالمنافسة تكاد تكون محصورة بين ابراهيم عيسى، وسنان أنطون وسعود السنعوسي حسب بورصة التوقعات.
وهذه السنة، تركزت الانتقادات الموجهة الى لجنة التحكيم على شخص رئيسها جلال أمين وماضيه مع الأدب. إنّه أحد الاكاديميين الذين خاضوا معركة ضد الناقدة المصرية سامية محرز لقيامها بتدريس رواية «الخبز الحافي» لمحمد شكري لطلاب «الجامعة الأميركية في القاهرة». وكان من الذين حرّضوا على الكاتب الشاب سمير غريب علي وروايته «الصقار» في نهاية التسعينيات. تحريض دفع صاحبه إلى الهجرة خارج مصر خوفاً من ملاحقات الأصوليين.
خلال مشاركته في ندوة عن الجائزة في «معرض القاهرة للكتاب»، استعرض أمين أهم المعايير الخاصة للحكم على العمل الروائي. الروائي بحسب اعتقاده «عليه أن يحكي لا أن يقدم بحثاً اجتماعياً أو اقتصادياً. كذلك لا بد من وجود روح الفكاهة وجمال واتساق البناء، واللغة التي لا بد من أن تكون صحيحة وراقية خصوصاً أنّ هناك لغة عامية راقية وأخرى سوقية، ومن واجب الروائيين تجاه اللغة العربية أن تكون صحيحة».
لكن المثير في سيرة جلال أمين مع الأدب وقوفه وراء أعمال ذات سمة شعبوية مخلصة أكثر لفكرة الأدب الاجتماعي الملتزم، كما فعل مع كتابات علاء الأسواني الأولى وخالد الخميسي. لكنه اعتبر نجاح تلك الأعمال جماهيرياً مؤشراً على «سلامة خياراته». تضم لجنة التحكيم أيضاً أكاديميين لا يعرف لهم إنجاز حقيقي خارج قاعات الدرس الجامعي. ملاحظة تكاد تنطبق على الجميع باستثناء رسام الكاريكاتور السوري علي فرزات الذي جاء اختياره استجابة لطموح «بوكر» العربية في تقليد أمّها البريطانية، بأن تضم لجان تحكيمها شخصيات من خارج الحقل الأدبي الضيق. وربما جاء اختياره تكريماً للحراك الشعبي الذي تشهده بلاده، وقد كان أحد رموزه. ولفت نظر المتابعين وجود المستعربة البولندية بربارا ميخالك ــ بيكولسكا في عضوية اللجنة، فخبرتها تقتصر على الأدب الخليجي، ما يفسّر وجود روايتين خليجيتين في القائمة القصيرة التي تضم الفائز الذي يُعلن عنه الليلة عشية انطلاق «معرض أبوظبي الدولي للكتاب».