المكان: طرابلس في شمال لبنان أو أي مدينة عربية، والموضوع: تشظّي الهوية في مجتمع عربي مهزوم. هذه هي البطاقة التعريفية لرواية اللبنانية جنى فواز الحسن (1985) «أنا، هي والأخريات». محاولات تحرّر بطلة الرواية «سحر» من عجز والدها الشيوعي المهزوم، ثم من سيطرة زوجها، وصولاً إلى فصام عشيقها وجرّها إلى مواجهة خاسرة. معتمدةً تقنية الصوت الواحد، تسرد الضحية مأساتها من وجهة نظرها، مغيبةً التحولات والمتغيرات لدى شخوص الرواية، وتبقى «الأنا» و«هي» و«الأخريات» مجرد تنويعات لذات منكسرة تنظر إلى مراياها. يستحوذ الجنس على تفسير الأحداث والمراحل التي يعيشها أبطال العمل في تحييد لمفاتيح أخرى من شأنها الغوص في البنية الاجتماعية وثقافتها.

ورغم أهمية قراءة السلوك الجنسي، إلا أنّه يؤسر السرد في بعد واحد، إذ يرتدّ الأب اليساري المتنوّر إلى متسلط ذكوري بسبب رغباته/ آماله المكبوتة، ويقمع ابنته بغرض حمايتها، ويقصي زوجته لجهلها، فتبحث البنت عن هوية وانتماء جديدين نتيجة كبتها، فترتبط بزوج مكبوت يسعى إلى تجريدها من ماضيها وشخصيتها ليتملكها دمية بين يديه، فتصنع عالمها السري مع عشيقها الذي يعاني بدوره مركبات من الكبت.
تلجأ شخصيات الرواية إلى تفريغ الكبت تعويضاً عن حياة منهوبة، فيتظاهر الرجال بالقوة للسيطرة على نسائهم اللواتي يعشن حرية متوهمةً كلما أفلتن من سلطة رجالهن. ذكورية المدينة ونزوعها إلى التطرف الديني والبشاعة لا تحتمل قراءة مغايرة لدى جنى الحسن، الباحثة عن الحب في زمن الردة، فتمر سريعاً على تأثيرات الخليج السلبية في مجتمعاتنا وتكريسه التخلف. لم يدر في بالها أن نزعاتنا الاستهلاكية ومشاعرنا تحددها تقلبات أسعار النفط التي تؤثث ثقافتنا بالخوف والانتحار، مهما أرادت المؤلفة مقاومتهما!
الدار العربية للعلوم ناشرون ـ بيروت