يفتح يوسف ألبوم صور العائلة كي يتذكر الذين رحلوا عن العالم، والذين ظلوا، والذين فصلت بيننا وبينهم المسافات. إنّها العائلة. قدرها التفكك إلى أسر تتوزع على جهات العالم الأربع. أمّا الذاكرة العائلية فهي أيضاً ذاكرة وطن وطوائف انتقلت من التعايش السلمي إلى الكراهية. عايش يوسف تحلّل البلد لعقود. في بيته، يستضيف قريبته الشابة مها وزوجها. الزوجان الشابان اللذان فقدا جنيناً، أجهضت معه أحلامهما بالبقاء في العراق لينتظرا الهجرة إلى أرض بعيدة. تحكي رواية «يا مريم» للعراقي سنان أنطوان (1967) عن القسوة التي تحكم أرضاً تعيش جرحها الكبير، والمصائر المتفرقة لأشخاص يحملون آلامهم على أكتافهم، لكنّ وجوههم تحفظ الابتسامة ذاتها وهم يجتازون درب الانفجارات واحتجاز الرهائن والقتل المجاني.

في لوحة «الثالث من مايو» لغويا، نرى أجساد رجال يُقتلون بالبنادق. واحد تضيئه اللوحة ويبدو مستسلماً لقدره. يوسف هو صنو هذا الرجل. أمام الموت، يقف مسالماً، يفكر في النخيل الذي عمل طويلاً على إنتاجه، وفي المرأة الوحيدة التي أحبّ في شبابه من دون أن تكون له. إنه يستعيد شريط حياته بالأبيض والأسود حيث كل شيء كان وديعاً. في هذه الرواية، نجحت تركيبة نادراً ما تفلح الرواية العربية المكتوبة بلغة الضاد. إذ غالباً ما ينساق الكاتب العربي إلى الشعر والمتخيل والصور النمطية، فيغيب الواقع الذي هو خطوة أساسية في المتخيل الروائي الحديث. لقد نجح سنان أنطون في الهروب من الشعرية والانطلاق إلى الواقع. يستلهم تفجير كنيسة «سيدة النجاة» في بغداد لخلق عالم الرواية الخاص، إلى جانب اللغة الحديثة الراصدة للتفاصيل والبعيدة عن الشعرية إلا مع الصلوات. كل صلاة موجهة إلى الشفيعة مريم. صلوات تطلب المدد والخلاص، وتحيلنا على المرجعيات المشتركة لهذه الأرض التي مزقتها الحروب العمياء.
دار الجمل ــ بيروت، بغداد