القاهرة | ذهب ابراهيم عيسى إلى أبوظبي ولديه يقين شديد بأنّ فرصته في الفوز بـ«بوكر» كبيرة استناداً إلى ردود الفعل التي رافقت روايته «مولانا» منذ صدورها. فقد أصبحت حتى الآن واحدة من أكثر الروايات العربية توزيعاً، بعدما وصلت طبعاتها الى السبع، كما أتى نشرها مصحوباً باهتمام نقدي لافت.
لا يترك الكاتب والصحافي المصري (1965) مناسبة إلا ويشن فيها هجوماً عنيفاً على ما يسميه «أصنام الأدب» أو «تابوهاته الجامدة»، في اشارة إلى النقّاد ومحرري الصفحات الثقافية الذين سرى أن اغلبهم من الكتاب والشعراء الذين أهملوا انتاجه الروائي السابق لـ«مولانا»، معتبراً أن صورة الصحافي فيه طغت دائماً على نتاجه الروائي. لكنه يعتز اعتزازاً خاصاً بالتقدير الذي نالته روايته من لجنة جائزة «بوكر» التي يعتبرها «جائزة قراء» أكثر منها جائزة لنقاد الأدب المتحذلقين، وهذا ما يجعلها أكثر صدقية من جوائز تنساق إلى اعتبارات أخرى.
يعتقد «صاحب مقتل الرجل الكبير» أنّ أغلب النقاد لا يفرقون بين عرض العمل صحافياً وبين «نقده» أدبياً وإبداعياً؛ لأن هذه مشكلة يعانيها الأدب عموماً، والرواية على وجه الخصوص. ويشدّد على «حاجتنا الملحة إلى حركة نقدية حقيقية تمارس مهامها في قراءة الأعمال الأدبية والإشارة إلى مواطن الإبداع والجمال الفني فيها، ولفت القراء إلى الأعمال الجيدة، مع التركيز على «النص» لا «الشخص» كاتب العمل، وأن يكون الناقد حيادياً، يعتمد على معايير موضوعية سليمة». وضمن هذا السياق، يضرب عيسى مثالاً بمقال كتبه الشاعر اللبناني عباس بيضون في صحيفة «السفير»، معتبراً إياه مقالاً ذكياً في قدرته على تقديم العمل والكشف عن جمالياته من دون الغرق في الكليشيهات أو التورط في التباسات بين صورة الصحافي وقلم الروائي. قبل «مولانا»، كتب عيسى الحائز «جائزة سمير قصير لحرية الصحافة» روايات عدة منها «مريم التجلي الأخير»، و«صار بعيداً»، و«العراة»، و«أشباح وطنية»، و«مقتل الرجل الكبير»، إضافة الى كتب سياسية وأخرى في مجال التاريخ الاسلامي والفكر الديني.
وعلى الرغم من انه بدأ الكتابة مجايلاً لكتاب الثمانينيات في مصر، الا أنّ انخراطه في العمل الصحافي ونجاحه اللافت في تأسيس نمط من الصحافة الجماهيرية التي اتسمت بالمغامرة ومواجهة الاستبداد جعلا الأدب يبدو اهتماماً هامشياً في حياته. يؤكّد عيسى أنّ هذه معلومة خاطئة ولا يعرف من كان وراء رواجها. اعتبر بعضهم أنّ دخول عيسى القائمة القصيرة للجائزة أتى مفاجأة كبيرة وأعطى هذا الترشيح للمؤلّف دفعة كبيرة بعد دخوله نادي كتاب الرواية بشكل احترافي. الا أنّه يؤكد أن العمل الفني يكتسب شرعيته من القارئ وليس من الناقد المحكوم دائماً بذائقة ليست بريئة تماماً. يسخر عيسى من الآراء التي راجت في صفحات التواصل الاجتماعي ورأت أنّ ترشيحه جاء بسبب صداقة تربطه برئيس لجنة تحكيم الجائزة الأكاديمي جلال أمين. يشدد هنا على أنّ أمين معروف بنزاهته وصرامته، ولا يخفي انحيازه للأدب الوثيق بالمجتمع، إضافة إلى أنه كان مناصراً دائماً لأعمال عرفت طريقها إلى القراء منها «عمارة يعقوبيان» لعلاء لاسواني، و«موسم الهجرة الى الشمال» للطيب صالح. وبالنسبة إلى علاقته مع أمين، يشير عيسى إلى أنه من الطبيعي لشخصية عامة مثل أمين أن تربطه صلات مع العاملين في مجال الاعلام، مردفاً «لا أعتقد أنّ مساحة الاحترام المتبادل التي تجمعنا قد تدفع بمفكر اقتصادي كبير إلى المغامرة بسمعته ومجاملتي. فقد اعتاد دائماً على قول ما يراه منسجماً مع قناعاته». ومنعاً لأن يفهم كلام عيسى كهجوم على النقاد، يذكر الكتابات التي صاحبت رواياته الأولى، فـ«حين كتبت أعمالي الأولى، لم أكن صحافياً شهيراً ليضطر نقاد وكتاب بحجم ادوار الخراط ورجاء النقاش لمجاملتي. ربما كان حضوري الصحافي سبباً في عدم الالتفات الى كتاباتي الروائية. مع ذلك، كنت محظوظاً بكتابات قدمها عن أعمالي نقاد متميّزون في صلب الحركة الثقافية العربية أمثال حسين حمودة، وشيرين أبو النجا، وسامية محرز، وصلاح فضل. ذوق هؤلاء يتسم بالتنوع والاختلاف».
لا يخفي عيسى فرحه بنجاح «مولانا» التي تجري الآن عملية تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني، لافتاً إلى أنّ فكرتها جاءت مع تراكم خبراته في مجال صناعة البرامج التفزيونية التي خاضها منذ أكثر من 15 عاماً حين بدأ معداً في فضائيات «ايه ار تي» ثم «اوربيت» قبل أن يقدم برامجه في فضائيات عامة مثل «دريم» و«الجزيرة» واخيراً «القاهرة والناس».
خلال هذه السنوات، راكم خبرة في البرامج الدينية التي تشكل فضاءً لموضوع الرواية التي تتناول قصة صعود حاتم الشناوي. هذا الداعية صنعته الفضائيات وبات طرفاً رئيساً في معادلة الحياة اليومية في مصر، ثم فهو علامة على مخاطر الدور الذي يمكن أن يلعبه في اللحظة العربية الراهنة. فـ«مولانا» كما يختزله هو حبر الخيال لشخصيات حقيقية تطالعك يومياً على الفضائيات، إلى جانب كونها شخصية روائية مثيرة اقترب منها عيسى ونسج سيرتها اليومية بلغة ذكية، مازجاً فيها التشويق والاثارة، ومنتصراً في اغلب الأحيان على مساحات الترهل السردي الناتجة عن ازدحام النص بالكثير من التفاصيل التي يعتبرها البعض زائدة على الحاجة. يؤكد عيسى أنّ روايته تغوص في الشخصية التي تعالجها ولا تراها من الخارج. صورة رجل الدين كُتبت في نصوص ادبية متميزة من قبل، لكن حاتم الشناوي هو ابن عصر الثقافة التلفزيونية الذي ينتمي الى الصورة، وبالتالي، فالتعبير عنه يحتاج الى حساسية بصرية. بدأ عيسى كتابة روايته قبل عامين من ثورة «25 يناير»، لكنه مع تطوّر أحداث الثورة، عاد اليها ورسم لبطله الرئيس مساراً جديداً ارتبط بحضور رجال الدين في الحياة العامة بعد الثورة المصرية، وهو أمر ربما يفسر النجاح الذي حظيت به الرواية نظراً إلى تقاطعها مع أسئلة اللحظة في مصر حيث يتداخل السياسي مع الدعوى على نحو مثير. وبفضل هذا التداخل، قادت الرواية بعض قرائها من الشباب إلى قراءة كتب عن المعتزلة، وتفسير القرآن، وتدوين السنة، ومقارنة الأديان نتيجة ما أثارته عندهم من أفكار وأسئلة. وهي مهمة تنويريه لرواية كاشفة عن تحالفات الفساد وشبكاته، تأتي مثقلة بأسئلة عن الوجود والمعرفة.



الضحك على الغلابة

في تغريدة كتبها قبل أيام عبر حسابه على تويتر، قال إبراهيم عيسى إنّ جماعة الإخوان المسلمين تتمنى أن تحكم الدولة بالطريقة نفسها التي اعتمدها نظام حسني مبارك، لافتاً الى أنّ الإخوان لم يكرهوا حكم الرئيس السابق. وأضاف أنّ «جماعة الإخوان تتمنى أن تكون الشرطة الآن هي التي تعذّب والقاضي الذي يحاكم». وتابع: «ما كنتم تكرهونه في نظام مبارك يتكرر اليوم تحت حكم الإخوان لكن على طريقتهم الأبشع أي الضحك على الغلابة عبر الدين. لم يسقط النظام بعد».