يبدو لمتابع جائزة «بوكر» العربية المموّلة من «هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة» أنّها أسهمت في إنصاف الرواية الخليجية. لا يعود هذا الانصاف إلى تزامن اطلاق الجائزة مع حالة رواج عاشتها تلك الرواية بفضل نجاح «بنات الرياض» للكاتبة السعودية رجاء الصانع. هذا النجاح ظلّ تجارياً ولم يغر نقاداً كثيرين في خوض مغامرة تقصّ لما أنجزته هذه الرواية من أعمال لم تجد اهتماماً نقدياً جاداً. لكن بفضل ما صاحبها من ضجيج اعلامي، أعطت «بوكر» للرواية الخليجية فرصة دخول منافسة حقيقية مع روايات مكتوبة في مناطق جغرافية أخرى في العالم العربي بصورة حوّلت الجائزة الى ساحة لصراع هوياتي جرى التعبير عنه في تشكيلات مجلس الأمناء ولجان التحكيم التي كانت توضع دوماً تحت مجهر الفحص القطري. في 2010، أثيرت ضجة مع فوز السعودي عبده خال بالجائزة عن روايته «ترمي بشرر» في دورة رأس تحكيمها الكويتي طالب الرفاعي الذي لم يخف رغبته في ذهاب الجائزة لرواية خليجية.

وفي 2011، وجدت كاتبة سعودية متميزة كرجاء عالم فرصتها في الحصول على الجائزة مناصفة مع المغربي محمد الاشعري. لكنّ حظاً جديداً بقي في انتظار الكويتي الشاب محمد السنعوسي الذي ينافس هذا العام بـ«ساق البامبو». إنّها رواية فارقة تؤرخ لمرحلة جديدة للأدب الكويتي يمكن أن نسميها بمرحلة «حك الجرح». لا يخجل السنعوسي من نكء جراح خلّفها الغزو العراقي للكويت، وملامسة جراح أخرى ناتجة من عدم إنصاف فئة «البدون». أكثر من ذلك، يغامر في تقصّي علاقة زواج بين مواطن كويتي وخادمة فيليبينية جاءت للعمل في بيت عائلته التي لم تعترف بهذا الزواج الذي نتج منه صبي لفظه المجتمع الغني ورمى به الى الفيليبين للعيش في بيت جده العجوز.
في بيئته، يتأمّل أشجار البامبو التي تشده الى أصول لا يرغب في انكارها بينما يظل مشدوداً الى بلاد ابيه الغنية التي بقيت بدورها «جنة موعودة» الى أن يذهب الى هناك ويكتشف «زيف» الصورة التي صدرت له ومن ثم يعود مختاراً الى بلاده الحقيقية.
يعترف بطل «ساق البامبو» أنّ الجذور لا تعني شيئاً أحياناً، ما يجعله يطرح معناه الخاص لفكرة الهوية الذي ينتصر للتنوع بدءاً من الهوية العرقية مروراً برؤيته إلى الهوية الجنسية والهويات الدينية، فالهويات هنا ليست هويات قاتلة. إنّها أقرب الى ما يسمى «الهوية الهجينة» التي تنحاز لفكرة الانفتاح.
في تلك المقاربة، لا يكتفي السنعوسي باللعب على الموضوع بل يقدم مغامرات في التقنية السردية. يتواطأ مع قارئه على قبول الرواية العربية باعتبارها نصاً مترجماً عن الفيليبينية كأنه يريد القفز فوق ثمن المغامرة مع المجتمع الكويتي الذي لا يزعم بلوغ التجانس الكامل. يكتب بلغة لا يغيب عنها المجاز من دون التورط في متاهات بلاغية، فالرواية تستند الى تشويق سردي بالغ المهارة كاشفةً أنّ السنعوسي ليس من هواة الفرصة السهلة. هو يعرف أنّ «ساق البامبو» قد تصنع رقصة الأدب الكويتي هذا المساء.
سيد...