لعلّ الرسام الكاريكاتوري ستافرو جبرا أحد أكثر الأشخاص القادرين على التحدّث عن سيرة الراحل بيار صادق الفنية. هما ابنا مهنة واحدة، رغم اختلاف توجّه ريشتهما. يقول جبرا في حديث إلى «الأخبار» إنّ صادق كان صادقاً في أعماله. ولذلك حافظ على اسمه طوال فترة عمله. «هو من أقوى الرسامين الكاريكاتوريين في العالم العربي، وأعطى الكثير للبنان». يلفت جبرا إلى أنّ الراحل يعدّ من الجيل الثاني لرسّامي الكاريكاتور اللبنانيين. الجيل الأول ضمّ عزت خورشيد وخليل أشقر. لمع اسم صادق في مرحلة سياسية صعبة مرّت على بلده، وهي المرحلة أيضاً التي شهدت إبداعه. أيام الحرب اللبنانية، لم تكن وسائل التكنولوجيا متطورة، بل كان على الرسام أن يسلّم عمله شخصياً إلى الوسيلة الإعلامية التي يعمل فيها، وسط أصوات القذائف والخلافات السياسية. يرفض جبرا أيّ مقارنة بين ريشة الراحل ورسام موجود على الساحة اليوم، معتبراً أنّ لكل فنان مدرسته الخاصة، «لأنّ الكاريكاتور من أصعب الفنون في العالم ويحتاج إلى خلفية فنية وثقافية». ولصادق مكانة خاصة في وجدان اللبنانيين وذاكرتهم.
وأمس، تمثّل ذلك في التعليقات التي غصّت بها مواقع التواصل الاجتماعي. أوّل الناعين على تويتر كان الوزير السابق غسان سلامة، الذي غرّد مودّعاً رجلاً كان من مناصريه في ستينيات القرن الماضي «حين كان رائداً من دون منازع». تغريدة سلامة حملت موقفاً من الرسائل التي احتوتها أعمال صادق بعد تلك الفترة: «بعدها، بقي الرسم نقياً، لكن الرسالة المضمرة فيه أصابها بعض التشوش». لم يكن سلامة السياسي الوحيد الذي أعرب عن حزنه على فقدان صادق، بل انضم إليه آخرون ممن شكّلوا المادة الأولى لرسوماته الساخرة وانتقاداته اللاذعة. رئيس الحكومة السابق، سعد الحريري، نعى «الصديق الصادق والريشة التي رسمت حرية لبنان والعرب لأكثر من نصف قرن».
واعتبر الحريري أنّ وفاة الرسام اللبناني «خسارة كبيرة للبنان وصحافته ولكل من أحب ريشة تتكلم بلغة الصمت الصارخ والنقد اللاذع والأفكار المتوهجة». وأضاف «نحن في بيت الرئيس الشهيد رفيق الحريري خسرنا أخاً وصديقاً وقلماً رشيقاً عشق الحرية وأحب لبنان». ضمّ الحريري في تغريدته صورة لشخصية «توما» الشهيرة مقرونة بتوقيع صادق. رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع كتب بدوره على تويتر: «كان من الطينة العظيمة، صادق الكلمة والريشة، وقبل كل شيء شجاعة الحرية». الإعلاميون كان لهم الحصة الأكبر في التعازي. تحدّث نيشان دير هاروتيونيان عن فقدان «الصفحة الأخيرة مع بيار صادق»، وهي الجملة التي رافقت نهاية نشرات الأخبار على LBC سابقاً وتلفزيون «المستقبل»، لأنّ «اليوم كانت صفحته الأخيرة». أما الإعلامية ريما نجيم فتوّجهت إلى «رجل الضحكة والدمعة والمَوقف» بالقول: «بيار صادق أنتَ الخبر اليوم... نرسمُك دمعةً هاربةً إلى حيث السلام الأبدي»، فيما نشر طوني خليفة على تويتر صورة للراحل وخلفه مجموعة من رسوماته. نضال الأحمدية اعتبرت أنّ وفاة الفنان المخضرم خسارة لها ولأسرة مجلة «الجرس» أوّلاً، إضافة إلى تأكيد مذيعة قناة «العربية» نجوى قاسم أنّه برحيل «أبو عمر» فإنّ «بسمة أخرى رائعة ترحل وتتركنا وسط الأحزان». وإلى جانب الفنانة إليسا، خطّ الشاعر نزار فرنسيس بضع كلمات للمناسبة الأليمة ونشرها على حسابه على تويتر، قائلاً: «يا مَن أضحكتنا على أوجاعنا، ورسَمتها ساخراً بريشتك الباكية... سنشتاق إليك لنبتسم... أو لنبكي... فالشوق إليك واحد».



تقام الصلاة على راحة نفسه في الثالثة من بعد ظهر اليوم في «كاتدرائية مار جرجس» المارونية في وسط بيروت، ويوارى في ثرى مدافن العائلة في بلدة بعبدا.