السيد جمال دبوز المحترم
تحيّة عربيّة وبعد
فقد علمنا متأخّرين بقدومك إلى لبنان، الذي نأمل أن يبقى بلدَ المقاومة والمقاطعة والفنون والآداب. وكنّا نودّ أن نستقبلك، كأخ عربيّ وفنان عالميّ، بأذرع مفتوحة؛ غير أنّنا أحببنا أن نتيقّن ممّا قرأناه في بعض المواقع الأجنبيّة والعربيّة عن تاريخك القريب..
1 ـ فهل صحيح أنك، قبل سنوات قليلة، زرتَ الكيانَ الصهيونيّ مع زوجتك الحاليّة، وبدعوةٍ من الجهات الحكوميّة الإسرائيليّة؟ لعلّك تعْلم يا سيّد جمال أنّ الغالبيّة العظمى من الشعب العربيّ، الذي تنتمي إليه بالولادة، تَعتبر إسرائيلَ عدوًّا غاصبًا ومجرمًا وعنصريًّا؛ فكيف إذا صحّ أنّك لم تكتفِ بزيارة هذا الكيان، بل صلّيتَ أيضًا أمام "حائط المبكى"، الذي يُستخدمُ منذ عقود رمزًا لتهويد فلسطين ويشكّل خطرًا يوميًّا داهمًا على المسجد الأقصى؟
2 ـ لماذا أدنتَ الاحتجاجاتِ السلميّةَ ضدّ الفنّان آرتور في 18/1/2009 في فترة القصف الهمجيّ الإسرائيليّ لغزّة؟ لماذا اعتبرتَ أنّ هذه الاحتجاجات، المألوفةَ في كلّ بلاد العالم ولاسيّما في الغرب، "تستحقّ الرثاء، وهي غيرُ مجدية، وبلهاء"؟
ثم إنّ الاحتجاجات على آرتور لم تكن معاداةً للساميّة كما زعمتَ، وإنّما لأنّ آرتور، بحسب كلود ريمون، "صهيونيّ ملتزم يدعم الصهيونيّة ماديّاً ويعتنق مبادئَ صهيونيّةً لا يمكن احتمالُها". وبالمناسبة، فإنّ كثيرين ممّن اعتصموا أمام عرض آرتور ذلك اليوم من شتاء 2009 كانوا يهودًا؛ كما أنّ كلود ريمون ينتمي، ويا لغيظِ الصهاينة، إلى الاتحاد اليهودي الفرنسي للسلام! فلماذا الإصرار على تشويه سمعة المقاطعين، والدفاعِ عن الصهيونيّ آرتور؟
الأستاذ جمال،
لا حاجة إلى إخبارك بجرائم الصهيونيّة والكيان الصهيونيّ في بلادنا؛ فأنت مغربيُّ الجنسيّة، والشعبُ المغربيّ هو صاحبُ أكبر تظاهرات عربيّة شاجبةٍ للمجازر الإسرائيليّة وداعمةٍ لنضال الشعب الفلسطينيّ. ولا حاجة بنا أيضًا إلى إخبارك بانضمام عشرات آلاف العمّال والنقابيين والأكاديميين والموسيقيين والطلّاب والكنسيين في العالم إلى حركة بي. دي. أس، التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرضِ العقوبات عليها؛ فأنت تعيش في فرنسا ولا بد أنك مطّلعٌ إلى حدّ ما على نشاطات هذه الحملة. لكنْ ما لا يبدو انك تدركه جيّدًا هو أننا، نحن المكتوين بنار "إسرائيل"، نَعتبر زيارةَ الكيان الصهيونيّ (ناهيك بحائط المبكى)، وإدانةَ مقاطعي الفنّانين الداعمين للصهيونيّة كآرتور، استخفافًا فظًّا بعذاباتنا، وتغطيةً لجرائم عدوّنا بذريعة "انفصال الفنّ عن السياسة". ألم تقل، في معرض دفاعك عن آرتور، إنّ الاخير "ليس سفيراً لإسرائيل، بل فنّانٌ يؤدّي عمله"؟!
السيد جمال،
إنّ على الفنّان، فعلًا، ألّا يكون سفيرَ الظلم والعنصريّة والاحتلال والقتل. وإننا، من هذا المنطلق، نناشدك الامتناعَ عن زيارة الكيان الصهيونيّ، والتوقفَ عن الدفاع عن الفنّانين الصهاينة. ونطالبك ـ في المقابل ـ بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطينيّ، كما وقف من قبلك عشراتُ الفنانين والمثقفين والمحامين والمناضلين العالميين أمثال رودجر ووترز وجون برجر وريتشارد فالك والقسّ دزموند توتو.
والسلام
ح.م.د.إ
26 نيسان 2013