استبشرنا خيراً عندما بدأ التحضير لمسلسل «وداعاً» الذي يضيء على مأساة الطائرة الإثيوبيّة التي تحطّمت على الشاطئ اللبناني عام 2010، ويصوّر واقع ضحاياها وعائلاتهم قبيل الحادث وبعده. توقعنا أن المسلسل المأخوذ من صميم الواقع، سيقدّم الرواية بعمق ويحترم ذكرى الضحايا وذويهم، ويُنقذها من الحكم المسبق على الدراما اللبنانيّة بأنها سطحيّة، يتفنّن بعض صناعها في تشويهها عن قصد أو من دون قصد. غير أن النتيجة لم تكن موفقة، و«كاست» الممثلين الذين اختير بعضهم على عجل، لم يأت أداؤهم في المستوى المطلوب. الاتفاق على المسلسل بدأ على أساس تقديم القصة في 6 حلقات، وإذا بالعدد يصل إلى 9، علماً أنّها لو قدّمت في إطار خماسية أو سداسيّة، لكان وقعها أفضل بكثير.
الكارثة التي شغلت لبنان، وضجّت بها نشرات الأخبار واحتلت الصفحات الأولى للصحف والمجلات اللبنانيّة والعربيّة، عبّر عنها مسلسل «وداعاً» بسذاجة. المشكلة قد تكون في السيناريو والحوار الذي تضمّن تكراراً مزعجاً. يصعب معرفة كم مرّة كرّر الممثلون الكلام نفسه عن عاصفة قوية تضرب لبنان. وكم مرة طلب أهالي الضحايا منهم تأجيل سفرهم. أضف إلى ذلك أن أكثرية الممثلين بدوا كأنهم يسمّعون درساً لم يحفظوه جيداً... رداءة لا تُحتمل في التمثيل والأداء.
بدأ التحضير للعمل بعد فترة وجيزة من سقوط الطائرة. وأمضت المخرجة كارولين ميلان أشهراً طويلة بحثاً عن صيغة مناسبة لتقديم عمل كتبه خالها طوني بيضون. اتجها بالنص معاً إلى المؤسّسة اللبنانيّة للإرسال lbci التي تتعامل بشكل أساسي مع شركتين هما «مروى غروب» التي يملكها مروان حداد، و «فنيكس بيكتشر إنترناشونال» للمنتج والمخرج إيلي معلوف، فاقترحت مديرة البرامج جوسلين بلال أن ينفّذ النص مع معلوف. طبعاً، لم تكن كارولين ممتنة من الأمر، لأنّ حبل الودّ مع معلوف قطع منذ زمن، وتحديداً منذ أن كانت تصوّر لمصلحته الكوميديا الاجتماعيّة «حماتي وعقلاتي»، وكاد أن يضربها في موقع التصوير. مع ذلك، عضّت ميلان على الجرح، لأنها انطلقت من فكرة أنّ هدف النص الذي تخطّط لتنفيذه إنساني بامتياز. عاش العمل فترة في دهاليز الرقابة، وطلب أن يجد مباركة الرئاسات الثلاث لتتمكّن الشركة المنتجة من تنفيذه. هكذا، بدأ التأجيل شهراً بعد شهر، إلى أن استبعدت كارولين عن العمل، بعد خلافات في وجهات النظر مع ايلي معلوف. طارت مع ميلان أسماء رافقتها في زياراتها إلى عائلة إحدى الضحايا، أمثال رولا حمادة، واختفت أسماء أيضاً تعطي ثقلاً للعمل. كالممثل عمار شلق وأحمد الزين وكارمن لبس وبديع أبو شقرا وجوليا قصّار وطوني عيسى ونقولا دانيال وإدوار الهاشم. وكعادته، لجأ معلوف إلى زيادة عدد الحلقات «لتحرز البيعة». وإذا كان مخطّطاً للقصة ألّا تكون نهايتها مأساوية، إذ أرادت المخرجة ميلان سابقاً أن تترك بصيص أمل لذوي الضحايا، فهل من المنطق أن تظلّ النهاية على حالها بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الكارثة؟ حتى جنريك العمل بدا مضحكاً. بدلاً من اختيار مشاهد مؤثرة منه، وجدنا الممثلين ينظرون إلى السماء. آه، فعلاً نسينا بأن العمل يتحدث عن طائرة، ولا يمكن للمشاهد إلا أن تصوّر بهذه الطريقة. اللافت أن العمل التلفزيوني إعتمد بشكل كبير على تقارير وملاحق إخبارية من المحطة التي يترأس مجلس إدارتها بيار الضاهر. حتى أن أحد الممثلين يقول في المسلسل «الأخبار كلها على قناة lbci» (على وزن «القصّة كلها») كأنّها المحطة الوحيدة التي ركّزت على التطورات في الكارثة.
الأمل بإنتاج سخي يتناسب مع حجم المأساة، لم يتحقق أيضاً. والبيان الترويجي الصادر عن المحطة، قدّم العمل على أنه «يروي المأساة الإنسانيّة التي أصابت ركّاب الطائرة وذويهم»، لافتة إلى أنه «صُوّر في أكثر من منطقة وبلدة لبنانيّة وفي منازل أهالي الضحايا». تخيّلوا ماذا سيكون مصير فيلم «تايتانيك» (صوّر العام 1997 ولعب بطولته ليوناردو دي كابريو وكيت وينسلت) لو تم تصويره في منازل أهالي الضحايا؟ كيف ستكون نتيجة مسلسل «الاجتياح» (الذي أخرجه شوقي الماجري) لو صوّر في منازل الأبطال؟ طبعاً، النتيجة ستكون عملاً تافهاً لا يستحق أي جائزة.
إذاً الحديث عن تكاليف مرتفعة يحتاج إليها العمل، ليس دقيقاً، لأن كل ما تحتاج إليه الحلقات هو الممثلون. حتى هؤلاء، وقع الخلاف مع بعضهم ولم يتم الاتفاق مع بعضهم الآخر، والنتيجة عمل ضعيف على مستوى النص تنقصه الحميميّة. ورغم إدراك الجهة المنتجة أنّ الحلقات تحتاج إلى ممثلين قادرين على نقل الفاجعة بعفوية، فقد اتكلت على الممثلين الذين اعتادت الشركة التعامل معهم. والأسوأ أنها حاولت أن توفّر في المصاريف عن طريق الاستعانة بهواة معظمهم غير موهوبين. والمؤسف أن خبرات المخرج يوسف شرف الدين التي أبرزها في مصر، لم ينجح في تكريسها في خدمة العمل، ربما بسبب ضيق الوقت أو التزام آخر في مصر أو ضغوط تمارسها الشركة المنتجة على من يعمل معها. قد تكون مشكلة «وداعاً» ليست في نصه ولا في أبطاله، مشكلته الحقيقيّة هي في التفكير في إنتاجه.

«وداعاً» من الاثنين حتى الخميس 20:30 على lbci