تسقط دول الخليج دوماً في اختبار «منظمة مراسلون بلا حدود». دول غنية بمقومات الدولة الحديثة تأخرت في مؤشر المنظمة السنوي لحرية الصحافة لعام 2013. تلك الدول الهادئة نسبياً، تأثرت بالتغيير الشعبي في بعض البلدان المحيطة بها. ورغم القبضة الحديدية لحكامها، خرجت تظاهرات قمعت في سلطنة عمان والبحرين والكويت وشرق السعودية تحمل مطالب الحرية والعدالة.
ونتيجة للدور الذي أدته وسائل الإعلام الاجتماعي في نقل يوميات الثورة، احتل المشهد الإعلامي في الخليج أهمية كبرى، وخصوصاً بعد محاولة السلطات محاصرة الفضاء الافتراضي وسنّ المزيد من القوانين والعقوبات والتهديد بالسجن لكل من تسوّل له نفسه نقد السلطات السياسية والدينية. كان الهاجس الأول لهذه الدول ـ ولا يزال ـ هو تقييد حرية الإعلام، ومحاولة اختراع تهم في قضايا النشر يعاقب عليها القانون تحت مسمّى قضايا التشهير.
احتكار الحكومات الخليجية لتراخيص وسائل الإعلام أدى إلى تحكّم بالفضاء المحلي، فضلاً عن الصحف التي أصبحت تمارس رقابة ذاتية، وخصوصاً أنّ نحو 80 % من العاملين في حقل الصحافة الخليجية من غير المواطنين، ما يجعلهم عرضة للترحيل في حال نشرهم تقارير ممنوعة.
في الكويت التي احتلت المرتبة الـ 77 في تقرير «مراسلون بلا حدود» (من أصل 179)، وافق البرلمان على مشروع قانون جديد للإعلام (أمر رئيس الوزراء الكويتي بتجميده) في نهاية نيسان (أبريل) الماضي. يسجل القانون غرامة تزيد على مليون دولار للتطاول على الأمير، وعقوبة السجن عشر سنوات في التجاوزات المتعلقة بالدين. ولا تزال السلطات تلاحق مئات المدونين بتهمة «إهانة الذات الأميرية» على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها الكويت في 2012، وآخرها حكم محكمة الاستئناف الكويتية على المدون صقر الحشاش بالسجن عاماً بتهمة إهانة الأمير على تويتر.
ورغم إنشائها مدناً إعلامية تحوي مكاتب وسائل الإعلام الأجنبية والعربية، إلا أنّ الإمارات ما زالت في المرتبة 114 وفق «مراسلون بلا حدود». الإمارة الخليجية لا تحوي حتى إعلاماً محلياً مستقلاً. وبينما كان المطلوب من قناة «الجزيرة» تغيير المشهد الإعلامي القطري، إلا أنّ الإمارة تواصل صنع قوانينها الخليجية المستنسخة في تقييد حرية الإعلام. أما سلطنة عمان، فقد اعتبرت «مراسلون بلا حدود» سقوطها 24 درجة (وقفت عند المرتبة 141) أكبر خسارة على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هي التي بدأت بعد الاحتجاجات سنة 2012 بملاحقة المدونين بتهمة مخالفة قانون تقنية المعلومات و«إعابة الذات السلطانية»، آخرهم سعيد جداد الذي اعتقل بتهمة التدوين الحقوقي.
تأتي السعودية في المرتبة 163 وفق «مراسلون بلا حدود». المملكة التي تتهم فيها الصحف المحلية بأنها مؤسسات حكومية، شهدت تحولاً خلال العامين الماضيين نحو مواقع التواصل الاجتماعي بوصفها وسيلة تنفيس لكثيرين، حتى بات تويتر يُعرف بأنه برلمان الشعب السعودي. هذا الأمر استنفر النظام الحاكم للإسراع في تجنيد رجال الدين لصنع فتاوى تحرم الكتابة أو المشاركة في الموقع. وبينما يقوم وزير الثقافة والإعلام السعودي عبد العزيز خوجة بالتغريد كأول مسؤول في المملكة يدخل العالم الافتراضي، تقوم وزارته بسنّ قوانين لملاحقة الناشطين وتغطية أسباب اعتقالهم بدءاً من رائف بدوي، والروائي تركي الحمد وحبيب المعاتيق، وصولاً إلى الحقوقية إيمان القحطاني التي توقّفت عن التغريد بسبب الملاحقة الأمنية.
البحرين التي ما زالت الاحتجاجات تحرك شبابها، اختيرت أخيراً عاصمة للإعلام العربي لعام 2013 في «الملتقى الإعلامي العربي» في الكويت. الاختيار جاء تقديراً لمكانة البحرين «الرفيعة» في العمل الإعلامي. لكن لم يلتفت أحد إلى 60 صحافياً مفصولين يتظاهرون يومياً للمطالبة بالعودة إلى وظائفهم، وانطلاق محاكمة 6 مغردين بتهمة الإساءة للملك. فيما يبقى مصير المصور أحمد حميدان مجهولاً منذ توقيفه في كانون الأول (ديسمبر) ويتواصل التضييق على العاملين في الوكالات العالمية.
دول الخليج فرضت قيوداً إضافية على حرية التعبير منذ اندلاع الربيع العربي. هي التي لم تسر يوماً نحو بناء صحافة حرة، وما زالت قوانينها تجرّم إهانة الحاكم الذي قال فيه برنارد شو: «سامحوه فهو يظن أنّ عادات قبيلته هي قوانين الطبيعة».