ماتت رولا الأيوبي. انتهت. أكل السرطان جسدها. ارتفعت روحها إلى السماء يوم السبت الماضي في أحد مستشفيات لندن. ماتت بصمت يجبر المرء على مراجعة موقفه من الحياة. ماتت الأيوبي، تلك الفتاة التي كانت تحمل ابتسامتها طوال الوقت، وذهب معها ذلك الصوت القوي الذي كان يخرج لمستمعيه عبر أثير إذاعة «بي بي. سي. عربي». صوت المذيعة اللبنانية كان أكبر من عمر صاحبته الحقيقي، يتمتع بخبرة في الأداء تمكّنه من الذهاب إلى طريقه مباشرة. إنّه صوت كبير لشابّة لم تكن تمتلك من العمر الكثير، لكنّ الموت ليس له عيون.
عملت الأيوبي كثيراً، كأنّها كانت تشعر بأنّ رحيلها سيكون وشيكاً. شهدت مسيرتها المهنية الكثير من التنقل بين محطات عديدة من لندن وتونس وبغداد مروراً بواشنطن وصولاً إلى بيروت. اكتشفت الصحافية وصول المرض الرهيب إلى جسدها في بيروت، ومن هناك هربت إلى لندن علّها تجد الشفاء والراحة، لكن المرض «الخبيث» كان قد انتشر في كيانها، وكانت النهاية مسألة وقت لا أكثر. هو الوقت نفسه التي كانت تصارعه كي تُنهي شغلها. درست الراحلة الحقوق، وهو ما بدا واضحاً في التقارير التي كانت تقدمها عن حقّ الناس العاديين في الحصول على حياة كريمة. كتبت من تونس عن «نساء تونس بين القلق والفخر» اللواتي احتُرمن في زمن الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ويرزحن اليوم تحت خطر الاضطهاد. من بغداد حكت عن «العبوات اللاصقة: سلاح صامت يغتال العراقي»، ونقلت شهادة معبّرة لعراقي خذلته الدنيا: «لا أريد ان أرى سيارة، لا أريد أن أرى بشراً، أريد فقط أن أجلس قبالة البحر وأنسى». كلماته خرجت من وجع كبير ممزوج ببكاء يشبه نعي كهل لحياة فاتته. وكان ذلك ضمن فكرة برنامج «بي. بي. سي إكسترا» الذي حلّق في أثير «هيئة الإذاعة البريطانية» وتحوّل إلى أكثر برامجها استماعاً. كانت رولا الأيوبي متواضعة. لم تكن كثيرة الكلام، بل تفعل وتمضي، تماماً كما كانت تسير في شارع الحمرا البيروتي وتضع سلامها بين أيدي المارة. لا بد من أن نذكر هنا أنّها وصلت إلى أفغانستان أيضاً، حيث كتبت يوميات رائعة، عرّفها موقع «بي. بي. سي» الإلكتروني بالقول: «هنا تقرير موفدتنا إلى أفغانستان وكابول رولا». صحافية ذهبت إلى الموت على قدميها ونجت من القصف في كل مكان، ونفذت من الفناء، لكن ها هو الموت يأخذها قبل الوقت. استعجل. نعم استعجل!



سيرة

قبل عملها في مهنة المتاعب، حصلت رولا الأيوبي (1973) على إجازة من كلية الحقوق، قبل أن تكمل دراساتها العليا في الصحافة. بدأت رحلتها المهنية مساعدة للراحل جوزف سماحة ثم صحافية في جريدة «السفير»، لتنتقل بعدها إلى فريق «بي. بي. سي عربي» الإذاعي عام 2004. تنوّعت خبراتها في الإذاعة البريطانية من خلال العمل مراسلة ومقدمة برامج ومعدة تقارير، فضلاً عن عملها في إعداد نشرات الأخبار والبرامج الإخبارية، ثم انتقلت إلى فريق برنامج «بي. بي. سي إكسترا» عام 2005. ذهبت الأيوبي إلى واشنطن كمراسلة للإذاعة، ومن ثم كموفدة لها إلى العراق في آذار (مارس) 2010. هي إبنة المناضل النقابي الشيوعي أحمد المير الأيوبي الذي اغتيل في طرابلس عام 1979.