الخروقات الإسرائيلية المتكررة للأجواء السورية منذ اندلاع الأزمة تُرجمت فجر السبت الماضي بقصف عنيف طال ستة نقاط هامة في دمشق أبرزها في جبل قاسيون. لكنّ النظام الذي تاجر طويلاً بفكرة المقاومة والممانعة لم يع حتى اللحظة أنّ المعركة إعلامية أساساً. محطاته الرسمية تخبطت كعادتها، فالأخبار العاجلة احتلت الهامش السفلي من شاشاتها واعدةً الجمهور ببيان عسكري قيل إنّه «سيصدر بعد قليل»، ليطول الانتظار حتى الرابعة والنصف من بعد ظهر اليوم التالي. عندها، استفاق معالي وزير الإعلام عمران الزعبي وأطلّ في مؤتمر صحافي أتحفنا فيه بأنّ «سوريا لا تقبل مسّ سيادتها لا من الداخل ولا من الخارج». ثم تابع الإعلام الرسمي مسيرته المعتادة وأدهش متابعيه بالكشف أنّ الضربات الإسرائيلية جاءت لرفع معنويات الإرهابيين المحاصرين في الغوطة الشرقية، تلت ذلك استضافات لجهابذة المحللين اللبنانيين الذين صاروا لازمة في الإعلام الرسمي على رأسهم ناصر قنديل. هكذا، أساء الإعلام الرسمي إدارة المعركة أمام الرأي العام، والأمر ينطبق على القنوات الداعمة للنظام. مثلاً، جاءت تغطية «المنار» مترددة لتركّز على أنّ أحد الأهداف التي قصفت كانت مدجنة دجاج، ما أعطى فرصة لنجم التحريض نديم قطيش كي يتظارف في برنامجه DNA على «المستقبل» على حساب مشاعر السوريين في الزمان والمكان الخاطئين ثم لينضح عنصرية ضد سوريا. على خطى «المستقبل»، سارت «العربية» التي لم تعد تفاجئنا بالترويج للعدو حين استضافت المعارِض كمال اللبواني لينصب نفسه ناطقاً باسم الشعب السوري. اعتبر اللبواني أنّ الشعب السوري في غاية السعادة بعد ضرب اسرائيل لنقاط عسكرية تابعة للنظام، فكان الرد حاضراً على صفحات عشرات الناشطين الشباب الذين طالبوا اللبواني بكلمة واحدة تدعوه إلى الصمت المطبق! «العربية» دشّنت تغطيتها بخبر مفاده أنّ انفجارات ضخمة هزت دمشق ثم كرت سبحة الأخبار العاجلة والشهادات. وظهر المتحدث باسم «المركز الإعلامي السوري» في دمشق عامر القلموني ليخبر المشاهدين بأنّ «8 أنفجارات كبيرة ضربت دمشق لم تشهد بقوتها من قبل». ربما يكون كلام القلموني أكثر منطقية وتعقلاً من عضو «مجلس قيادة الثورة» ديب الدمشقي الذي قال بصوته الجهوري إنّ «التفجيرات بلغت 40، وتم تسجيل حالات هروب جماعي لجنود الأسد، لأنّ التفجير استهدف مقرات أمنية مختلفة في العاصمة السورية». وأضاف أنّ «ما وقع ليس غارات إسرائيلية، بل هي من عمل المعارضة السورية». بالطبع لم يكلّف مذيع «العربية» نفسه عناء إعادة ضيفه «الثائر» إلى الواقع. أما شقيقة «العربية» في التحريض قناة «الجزيرة»، فقد صاغت جملة من التقارير الإخبارية كشفت عن وجهة نظر المعارضة المسلحة من هذا الاعتداء. ذكر مذيع المحطة نقلاً عن قادة «الجيش الحر» الميدانيين أنّ هذا الاعتداء «تحرك دولي متأخر لدعم المعارضة المسلحة و«الجيش الحرّ» في الحرب التي يخوضها مع النظام الأسدي المجرم». وفي تقرير آخر، نقل مذيع «الجزيرة» عن المعارضة المسلحة رفضها تدخل الطيران الإسرائيلي واعتبار ما حدث «لعبة سياسية تهدف إلى توريط المعارضة المسلحة مع الكيان الصهيوني».
وحدها «الميادين» كانت الأكثر مهنيةً. فُتح استديو بث مباشر واكب الحدث الذي اعتبرته المحطة عدواناً اسرائيلياً على سوريا. ونقل ضيوفها تفاصيل عن القصف على قاسيون وكيف تم تصويره بكاميرا احترافية كانت مجهزة على بعد ثلاثة كيلومترات، إضافة إلى كشف النقاب عن اتصالات تلقتها «العربية» و«الجزيرة» بعد دقائق من الاعتداء تفصّل النقاط التي قصفت؟!