المثليون هم أبطال «طاقية الاخفاء» Les Invisibles للمخرج والسيناريست الفرنسي سيباستيان ليفشيتز (1968). الوثائقي الذي يعرضه «المعهد الفرنسي في لبنان» في صالة مونتاني يوم السبت المقبل (بالتعاون مع جمعية «حلم» وصحيفة «الأخبار»)، يروي حكاية عن مواجهة القانون في حربه على الحبّ. المثليون أو اللامرئيون هم موضوع العمل الذي نال جائزة «سيزار» أفضل وثائقي عام 2013. يعيشون على هامش المجتمع ولا يتمتعون إلا بهامش بسيط من الحقوق، حيث يحبّون ويمارسون الحبّ ويحاربون الهوموفوبيا.
يطرح «طاقية الاخفاء» المثلية الجنسية من خلال مقاربة التاريخ الفرنسي. المثلية تترافق في الوثائقي مع الأحداث التي سبقت أحداث أيار عام 1968 والمرحلة التي تلتها. يروي العمل حكايا رجال ونساء ولدوا في الفترة بين الحربين العالميتين، تجمعهم مثليتهم الجنسية واختيارهم العيش علناً في حقبة كانوا يواجهون فيها الرفض من المجتمع الفرنسي. لقد وقعوا في الحبّ ومارسوه وحاربوا رفض المجتمع. بعضهم اختار السرية، وآخرون عانوا وهُمِّشوا بسبب اختلافهم، وآخرون عوملوا على أنّهم مرضى نفسيون، لكنّ البعض أيضاً عاش حياته الجنسية المختلفة بهدوء.
تعرّض كثيرون للتمييز في مكان العمل لأنهم اختاروا الحرية في الحب. اليوم، بعد تشريع زواج المثليين في فرنسا رغم الجدل الذي أثاره في الشارع، يروي هؤلاء ــ الذين عاشوا هذه الحياة «الخارجة عن القواعد» كما يصفهم المجتمع ــ كيف تمكنوا من بسط أجنحتهم وفرض مشيئتهم رغم كل شيء.
عمل ليفشيتز مصوّراً قبل أن ينتقل إلى السينما. في سوق البالة، وقع بالمصادفة على صورة أثارت تساؤله حول هوية امرأتين: هل هما أختان أم عشيقتان؟ أثبتت أبحاثه أنّ الصورة هي لامرأتين تجرأتا على إشهار حبّهما في ثلاثينيات القرن الماضي، في حقبة كان فيها إظهار الحبّ المثلي أمراً محرّماً بقدر ما هو الآن في العالم العربي.
في تجربته السينمائية التاسعة (ينتج أفلاماً وثائقيةً وأفلاماً خياليةً)، رغب ليفشيتز في التوجه إلى أشخاص مجهولين، لم يعيشوا حياةً سهلةً... نساء ورجال من مختلف أنحاء العالم. لطالما رويت أخبار المثلية من خلال أزواج أسطوريين، فالأسطورة لا يمكن أن نطالها، وهكذا تبقى في معزل عن المجتمع.
توجه سيباستيان ليفشيتز إلى أعماق فرنسا بحثاً عن أولئك الأشخاص: بعضهم ما زال يعيش في علاقات عاطفية والبعض الآخر صار أعزب. حكى المخرج مع شهود متنوعين في الحياة الفرنسية، فالحرب التي خاضوها في الخمسينيات والستينيات هدفت بكلّ بساطة إلى نيل حقّهم في الوجود. هكذا، سنشاهد العاشقين جاك وبيار اللذين صارا عاشقين منذ اليوم الأول الذي التقت فيه نظراتهما عبر مرآة خلفية، فيما اضطرت كاثرين وإليزابيث لترك عملهما فقط لأنهما مثليتان، فاشترتا مزرعةً لتأمين مورد عيش.
ومثل جاك وبيار، وبييرو الشاب الثنائي الجنس الحرّ والهادئ، شكّلت الطبيعة ملجأً لهؤلاء، فوجدوا فيها مكاناً يبتعدون فيه عن العالم ليجدوا السكينة في أحضان الريف الذي رحّب باختلافهم. نشاهد أيضاً في العمل تيريز الأمّ لأربعة أطفال التي اكتشفت ميلها للنساء وهي في الـ42 من العمر. ومنذ ذلك الوقت، انقلبت حياتها وتوجهت إلى النشاط السياسي. قاومت بطريقتها، فأسّست عيادة سرية للإجهاض في داخل منزلها. في تلك المرحلة من النضال، حملت التيارات النسائية بعض التصريحات المتطرفة، وهو أمر لا مهرب منه في ظل الحركات الثورية التي كانت في أوجها في تلك الفترة، فاختلط رفض إنجاب الأطفال (وهو حقّ أساسي) مع مبدأ اختزال المرأة إلى مجرد آلة للإنجاب، لكن الأمر تعلق حينها بثلاثة أمور مختلفة: «نحن لن ننجب بعد الآن»، «نحن نرفض العائلة» و«نحن نرفض المجتمع».
أمّا مونيك فهي طبيعية وشفافة للغاية، نجحت في «تجريد خصومها من أسلحتهم». لقد استفزت «أصحاب الفكر التقليدي» من خلال فكاهتها التي لا تخلو من السخرية. لقد عانت بسبب عجز أمها عن تقبّل مثليتها، لكنّها تمسكت بميولها الجنسية وأكدتها منذ تجربتها الأولى في الحبّ.
يتناول وثائقي «طاقية الإخفاء» التحركات الكبرى التي شهدتها فرنسا وكانت بطلتها أقلية مهمشة. اليوم، بعدما أصبح زواج المثليين واقعاً في فرنسا، بدأت الأمور تتخذ منحى مغايراً. بتنا نرى أزواجاً مغايري الجنس لا يرغبون في الأطفال، وأزواجاً مثليين يريدون الإنجاب. لم تعد الأمومة مرادفاً لزوال الشهوة، وباتت تتجاوز الانتماءات المحدَّدة بالهوية الجنسية. الزواج (يفقد أكثر فأكثر بعده القدسي والمستديم) صار رمزاً لعقد اجتماعي، ينادي به بعض المثليين اليوم رغبةً في العودة إلى مجتمع لطالما همّشهم. هم يرغبون باعتراف واحد: الحق في اختيار أن يندمجوا أو أن يُقصوا أنفسهم عن التيار الفكري السائد... يريدون أن يصبحوا جزءاً من «الطبيعي».



«طاقية الإخفاء»: 19:30 مساء السبت 18 أيار (مايو) ــ صالة «مونتاني»، «المعهد الفرنسي في لبنان» (طريق الشام ـ بيروت) ــ يلي العرض لقاء مع مونيك ايسيلي إحدى شخصيات الشريط