أخيراً ظهر المدوّن البحريني علي عبد الإمام! هو أبو التدوين البحريني الحديث، ومؤسس «ملتقى البحرين» (البحرين أون لاين) أخطر منتدى سياسي وأوّل فضاء اجتماعي حرّ. خرّج مئات المدونين قبل اختراع صفحات التواصل الاجتماعي. ذات يوم، استخدم أحدهم «ملتقى البحرين» للدعوة إلى تحديد يوم للثورة في المملكة الخليفية، لتنطلق بذلك شرارة «ثورة 14 فبراير».
الحراك الذي انطلق من مدونة عبد الإمام الشعبية التي عاشت رغم محاربة وحجب الرقابة لها لسنوات طويلة، كان يستعجل اللحاق بربيعه العربي. يومها، كان المدوّن المشاكس لا يزال في السجن، لكنّ الانتفاضة استعجلت خروجه إلى فضاء الحرية و«ميدان اللؤلؤة» الممتلئ بالناس وأناشيد الحرية.
حلم الحرية لم يدم طويلاً. انطلقت الثورة من العالم الافتراضي ثم نزلت إلى الشارع، ليخرج عبد الإمام من السجن بعدها بأيام، لكن سرعان ما قمعت الثورة مع تدخل الجيش السعودي على الأرض بعد شهر تقريباً من بدء الاحتجاجات. اختفى المدوّن علي عبد الإمام في 16 آذار (مارس) 2011 وبقي حتى الأمس القريب، وفيما لم يعرف أحد شيئاً عنه، اتُّهمت السلطات بإخفائه، ومن ثم أنشئت المدونات والصفحات المطالبة بالكشف عن مصيره. هو اليوم حرّ. كلنا نعرف مكانه الآن، فالمدوّن الشاب كتب جملة واحدة: «أنا في لندن». في بريطانيا، حصل على اللجوء السياسي وسيظهر غداً علناً للمرة الأولى لتكريمه في «منتدى أوسلو للحريات».
بعد عامين، ظهر عبد الإمام أحد ملهمي الثورة البحرينية التي لا تزال مستمرة رغم غيابه عنها قسراً. في 10 أيار (مايو) الحالي، خرجت قصة هروب مؤسس موقع «البحرين أون لاين» من مملكة الخوف. رحلة بدأت داخل صندوق شاحنة سري عن طريق جسر الملك فهد السعودي إلى الكويت ثم البصرة فالنجف العراقيتين، ومن بعدها إلى لندن، محطته الأخيرة في عملية الهروب الدرامية التي استخدم فيها سيارات وقوارب وطائرات.
نشاطه الإلكتروني ساعد على خروج الموقع الإخباري «ملتقى البحرين» إلى النور عام 1999، فاتحاً الباب أمام مناقشة السياسة وقضايا حقوق الإنسان. حرية التعبير التي خلقها عبد الإمام ضاقت بها السلطات، ما أدى إلى اعتقاله مرات عديدة بتهمة نشر أخبار كاذبة، والتعرض للسمعة الملكية. علماً أنّ المنتدى السياسي المشهور لا يزال محظوراً منذ أكثر من تسع سنوات.
عندما اعتقل عبد الإمام في آذار (مارس) 2005 للمرة الأولى مع اثنين من مؤسسي «ملتقى البحرين»، مثل الأمر إحراجاً للسلطات الخليفية، التي أطلقت سراحهم بعد أيام. وما كان من الشاب المتمرّد إلّا أن رفع في اليوم التالي لافتة كتب عليها: «هكذا تنتهك حرية التعبير في البحرين»، في أول اعتصام شهدته البحرين أمام وزارة الإعلام. أهمية الموقع الإلكتروني أظهرتها برقيات السفارة الأميركية في البحرين، التي كشفها موقع «ويكيليكس»، وبيّنت مدى اهتمام الأميركيين بتتبع خريطة البحرين والخليج السياسية من خلال «ملتقى البحرين»، وكيفية تعامل السلطات هناك مع المدونين. أعيد المدون البحريني إلى السجن عام 2010، لتفرج عنه ثورة 14 فبراير 2011. اتهم بعدها بأسبوعين بمحاولة قلب نظام الحكم.
إذن، نحن على موعد غداً مع علي عبد الإمام، الذي سيطل من أوسلو، قبل أن يغادر إلى كوبنهاغن لحضور احتفال «المركز الدنماركي للدراسات السياسية» (CEPOS) لتكريمه ومنحه جائزة الحرية. عبد الإمام فخور بالثورة التي بدأها المدونون من ملتقى شارك هو في تأسسيه، وهي اليوم بين الشارع والتدوين الافتراضي الذي دفع ثمنه كثيرون. هنا، لا بد أن نتذكر المدون زكريا العشيري الذي استشهد في سجون النظام في 9 نيسان (أبريل) 2011. هل سيقف علي عبد الإمام ليتذكره غداً أمام وسائل الإعلام، إلى جانب عشرات الأسماء القابعة في سجون النظام، علّه يكون في لندن وغيرها من عواصم العالم الحرة صوت البحرين وصوت الثورة؟