«نفعل ما يفعل السجناء، وما يفعل العاطلون عن العمل: نُربّي الأمل». ببعض كلمات قصيدة محمود درويش الشهيرة «يُنقبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ»، ختمت المخرجة والممثلة اللبنانية يارا أبو حيدر فيلمها الوثائقي «شغل.. حرّية.. كرامة وطنية»، الذي أعيد عرضه على قناة «الميادين» أخيراً. ثلاث كلمات رسمت ملامح النضال العمّالي في تونس، التي تفيض بقصص «الزواولة» (العاطلين من العمل) الذين قادوا «ثورة الياسمين».
هذا البلد فتح شهية يارا أبو حيدر على إعداد فيلم تسجيلي يتناول واقع العمّال بـ«ببساطة وعلى مقربة من الشارع، وبعيداً عن المسؤولين والوزراء وغيرهم»، وفق ما قالت لـ«الأخبار». إلى جانب قصص المواطنين، ظهر في الشريط مثلاً زياد الأخضر، الذي خلف المناضل الشهيد شكري بلعيد في الأمانة العامة لـ«حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد».
مع شيوع نبأ المسيرة، التي ستنطلق من سيدي بوزيد إلى تونس العاصمة في 9 نيسان (أبريل) 2012، تزامناً مع ذكرى «عيد الشهداء»، استشعرت أبو حيدر احتمال حدوث اعتداءات وإشكالات مع القوى الأمنية، وهو ما حدث فعلاً. بمشاهد القنابل المسيلة للدموع والمتظاهرين الذين يحاولون تجنّب ضربات الشرطة، والمرأة التي تشكو للكاميرا اعتداء رجال الأمن عليها، بدأ الفيلم الذي تقارب مدّته الـ35 دقيقة. مع توالي المشاهد، نلاحظ الاختلاف الجوهري بين واقع العمّال في تونس وغيرها من البلدان العربية.
«الزواولة» هم من يحيون ذكرى عيد العمّال (1 أيّار/ مايو)، فهم فاعلون جداً على الأرض، كما أنّ معظمهم مناضلون (سابقون وحاليون). كثيرة هي النماذج التي نقع عليها في الفيلم مع الاحتفالات بـ«عيد الشغّالين»، أبرزها حمَلة الشهادات الذين ملّوا البحث عن عمل، وأوصلهم اليأس إلى درجة القول «إنّي مستعد لأن أعمل بستانياً... أنا لا أحتاج إلى دراستي». هنا، أكدت أبو حيدر أنّ المواطنين الذين صادفهم فريق العمل (وحيد العجمي وإقبال عرفة وأحمد خليف) هم من قادوا الفيلم، إذ راحت القصص تُبنى أثناء التصوير. علماً أنّ مدّة التصوير لم تتجاور ثمانية أيّام. نجوى مثال صارخ للمرأة التونسية المتعلمة التي لا تعمل، بعدما دفعت ضريبة خياراتها السياسية في ظل حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. هي مناضلة مجازة في اللغة والأدب العربيين منذ عام 2004، ومنسقة لجنة مساجين «الاتحاد العام لطلبة تونس»، كما أنّها أم لولدين ومتزوّجة عبد الصبور شريكها في النضال. أعلنت نجوى الإضراب عن الطعام في 5 آذار (مارس) من العام الماضي (استمر 15 يوماً) «بعد التنسيق مع الرفاق في اللجنة» لأهداف ثلاثة: الانتداب وفق المؤهل العلمي، والبدء بتفعيل العفو التشريعي العام، وانتقاد الحكومة وسياستها المتبعة في التشغيل. جهدت أبو حيدر في مقاربة واقع العمّال من منظور سياسي ــ اجتماعي: «حرصت على الاندماج في يوميّاتهم، وتعاطيت معهم بتماهٍ لا كسائحة». وأضافت: «الخلاصة هي أنّ عمّال تونس ذوو مستويين ثقافي وفكري عاليين، إلّا أنّ فرصهم محدودة». اللافت أنّ الوضع لم يتغيّر بعد «ثورة الكرامة»، بل إنّ السلطة تنتهج سياسة النظام السابق ذاتها. اليوم، تعمل أبو حيدر على وثائقي جديد سيولد من تونس أيضاً، لكن هذه المرّة من رحم فنّ الشارع، إلا أنّ موعد عرضه لم يحدد بعد.


http://almayadeen.net/ar/Programs/Episode/Oxxsf2n07USg1aFhAWeo5g/2013-02-10