تجاور عبر ٤٠ صورة بين الأطباق، وأدوات الحلاقة، والمكواة الكهربائية والمراوح القديمةلكن شعث في الوقت نفسه، تؤكد عالمه الشعري القائم على الاستبصار والتكثيف والإزاحة، إذ تقول «سعيت هذه المرة إلى استراحة تأملية، أبتعد فيها عما عشته من أحداث على الصعيدين العام والخاص، لذلك يبرز في المعرض هذا الشعور بالارتياح الذي يجده الناظر في الصور». تفاجئ شعث زائر المعرض في الواجهة بمقطع من أحدث روايات الكاتب العراقي سنان أنطون «فهرس» (منشورات الجمل ــ ٢٠١٦): «ستكون الدقيقة فضاءً ثلاثي الأبعاد، ستكون مكاناً اقتنص فيه الأشياء والأرواح وهي تسافر، التقاطع الذي تلتقي فيه قبل أن تختفي إلى الأبد. بلا وداع، البشر يودعون معارفهم وأحبتهم فقط. أما الأشياء فهي تودع بعضها البعض، لكنها تودع البشر أيضاً، لكننا لا نستطيع أن نسمع أصواتها وهمساتها لأننا لا نحاول، قلما نلمح ابتسامات الأشياء. نعم الأشياء أيضاً لها وجوه، لكننا لا نراها». يعطي هذا الاقتباس مفتاحاً رئيسياً للتعاطي مع المعرض وعتبة للولوج إلى عالمه القائم على الحوار مع الأشياء قبل زوالها، أو الإنصات إلى حكاياتها غير المرئية. إنه متابعة فذة لأثر الزوال كما خلفته ممارسات الحياة اليومية. البطولة في الصور هذه المرة هي لما يبقيه البشر في مسعاهم اليومي، البشر الذين لطالما كانوا أبطالاً لصورها هم اليوم غير مرئيين. ما نراه هو أثرهم، ومخلفاتهم التي تتحول معها إلى أيقونات وتنفرد بالبطولة المطلقة. عبر حوالى ٤٠ صورة تجاور رندا شعث بين الملاعق والأطباق، وأدوات الحلاقة، والمكواة الكهربائية والمراوح القديمة، الصحف المهملة بقصصها على مقابض المنازل، المرايا المنسية بأرق وجوهها، الجدران التي هجرها اللون وأكسبت وحدتها شيئاً من الخلود. هناك أسرّة النوم التي تحمل روائح الرغبة وأفعالها، توابل الطبخ بحضورها الفذ وألوانها الحارقة. وكما تطارد الضوء وتراوغه، تبحث شعث عن الأحلام المنسية والرغبات المكبوتة وعن الزمن المعطل وتطارد الروائح وتعمل على توليف ذكي لعالم لا يمكن إلا أن يكون عالماً شعرياً بامتياز. عالم يكتسب حضوره من رؤية أنثوية للتفاصيل، فالمعرض لا يقوم فقط على منطق التجاور، وإنما يقوم كذلك على فكرة التوليف والسبك. إنه بناء في زمن مضى وتأمل في أفعاله بشيء من الحسية الرائقة التي تستيقظ فيها الحواس المعطلة وتفرض سطوتها.
«لا يزول» لرندا شعث: حتى 5 نيسان (أبريل) ــ غاليري GYPSUM (غاردن سيتي ــ القاهرة). للاستعلام: gypsumgallery.com