«ليه ما بتقولوش إنو عندكم حدّ اسمو باميلا الكك في لبنان، دي عبقرية تمثيل» هكذا، علّق أحد الصحافيين المصريين على أداء الممثلة اللبنانيّة الشابة، حين تابعها في مسلسل «جذور» وقبلها في «سارة». من هنا، يمكننا التأكيد أنّ الصحافة المصريّة بدأت فعلاً تلتفت إلى الدراما اللبنانيّة المنسوجة بنفس تركي.
طبعاً، ليس خطأ بأن نتعلم من الأتراك، ونسير على خطاهم سواء في عدد الحلقات المفتوحة أو في اختيار مواقع التصوير الجميلة والأنيقة وغير المستهلكة في لبنان، طالما أنّ تجاربهم هي الأكثر استقطاباً للجمهور في الأعوام الأخيرة، وليس خطأ أن نتوقف عن تكرار استخدام القصور والشقق نفسها في أعمالنا الدراميّة التي حفظها المشاهد عن ظهر قلب. وليس خطأ التعاقد مع ممثلين يؤدون بطبيعيّة من دون افتعال ولا مبالغة، وتقديم قصّة محبوكة تحمل الكثير من التشويق، وتجعل قسماً من الجمهور المقاطع للدراما اللبنانيّة، ينتظر عملاً لبنانياً مصرياً حلقة بحلقة. لكنّ الخطأ أن نرضى بعد الآن بتجربة أقل جودة من «جذور» (كتابة كلوديا مرشليان وإخراج فيليب أسمر). هذا هو الدرس الذي تعلّمناه من صنّاع الدراما التركيّة، وهو الأكثر نضوجاً بين المسلسلات التي خرجت إلى العالم العربي واستقطبت جمهوراً ومعلنين في مصر (قناة «النهار») والإمارات («أبو ظبي الأولى»)، وهو من إنتاج مشترك بين «ميديا ريفولوشن 7» و«إنديمول الشرق الأوسط».
بدأت القصة بإيقاع مقبول، كان يفضّل لو كان أسرع قليلاً. أبطالها لبنانيون ومصريون، وإن كانت حكاية العائلة المصريّة تبدو كأنها رفعاً للعتب، كونها هامشيّة، على اعتبار أن الأهمية تكمن في الخطوط اللبنانيّة. تنطلق الأحداث مع رجل الأعمال فؤاد سعد (رفيق علي أحمد) الذي يرغب قبل موته في رؤية ابنته كارلا (باميلا الكك) التي أنجبها في باريس من علاقة حب عابرة جمعته بديانا اللبنانيّة (رولا حمادة). تزور الابنة بيروت، حاملةً طفلها، فتقلب موازين الأسرة وتقع كارلا في حب مالك (يوسف الخال) ابن زوجة فؤاد. هكذا، تنطلق الأحداث، لكنها مع وصولها إلى الحلقة 29 (تعرضها الليلة «النهار» و«أبو ظبي الأولى»)، ستشهد الأحداث تحولات جذرية. تعقدت خطوط القصة، فالطيّبة رجاء (تقلا شمعون)، كشرت عن أنيابها بعدما شعرت بخطر يهدد بيتها وعائلتها وثروة زوجها، وبعدما لمست أن ابنها مالك متيّم بحب ابنة «ضرّتها» كارلا. بهدوئها المعهود، تؤدي شمعون دورها بشكل لافت، وكما نجحت في شخصيّة عليا في «روبي»، ستعيش هنا نجاحاً من نوع آخر. وتواصل باميلا الكك في أولى بطولاتها طريق نجوميتها، وتثبت مجدداً أنها ممثلة قادرة على الوصول سريعاً إلى البطولة المطلقة. وفيما لا يحتاج الدور الذي يؤديه رفيق علي أحمد إلى مجهود تمثيليّ حتى الآن، تتميّز الشخصيّة المزدوجة التي تقدمها رولا حمادة. تؤدي الأخيرة دور ديانا التي تحمل ذكريات نفسية مؤلمة من الحرب، دفعتها إلى الهروب من لبنان، تاركة شقيقتها التوأم دينا وهي فتاة من ذوي الاحتياجات الخاصة، تعاني معاملة سيئة من شقيقها (مجدي مشموشي) وأقربائها ختام اللحام وسهى قيقانو وسعيد بركات، ما سيدفعها إلى الهروب من المنزل. وفي موازاة هذه الأحداث، هناك قصّة فادي ابراهيم وعائلته. يقدم الممثل اللبناني شخصيّة مختلفة شكلاً ومضموناً، وستظهر الحلقات المقبلة أهميتها أكثر. هو زوج امرأة ثرثارة وسطحيّة (مارينال سركيس) تضفي نكهة طريفة على الأحداث، وأب لمراهقتين، يخشى على مستقبلهما مع استشعاره بخطر وشيك يهدّد إحداهما. وتكاد القصة المصرية تمر مرور الكرام مع محمود قابيل، أحمد هارون ودينا فؤاد وميرهان حسين، وأشرف طلبة، أحلام الجريتلي... كأنها موجودة فقط لتضمن تسويق العمل في هوليوود الشرق، ولتخدم القصة اللبنانيّة. بالإضافة إلى القصة المحبوكة والإخراج الجيد، هناك ميزة في «جذور» نفتقدها غالباً في الدراما اللبنانيّة. لا تغيب أي شخصيّة من الضروري وجودها ولو اقتضى مرورها في مشهد واحد فقط.
ختاماً، ليس «جذور» أفضل كتابات كلوديا مرشليان، فقد كتبت قبل ذلك أكثر من عمل جيّد، لعل أبرزها مسلسل «هروب»، لكنه لم يصل إلى الجمهور بالصورة المطلوبة نظراً إلى عرضه على lbci drama، وLDC. ولو أخذ حقّه في العرض على lbci، لكان تفوّق بأشواط على بعض الأعمال الساذجة التي عرضتها المحطة في الأشهر الأخيرة. وفيما يستمر «جذور» حتى الأيام الأولى من تموز (يوليو) على قناتي «النهار» و«أبو ظبي الأولى»، تقسم lbci عرضه إلى جزءين، حيث تقدم الجزء الثاني في رمضان.

«جذور»: من السبت حتى الأربعاء 21:00 على «أبو ظبي الأولى»
من الاثنين حتى الخميس 20:30 على lbci



دخول مصر

«جذور» هو ثاني الأعمال التي اقتحمت العالم العربي بعد مسلسل «روبي» لكلوديا مرشليان أيضاً وإخراج رامي حنا. لكن ما يجعل تجربة «جذور» أفضل، هو اعتماد العمل مبدأ البطولة الجماعيّة، بخلاف روبي، التي كانت كل خيوط اللعبة تحركها سيرين عبد النور، أو على الأقل تؤثر بها وتتأثر بها. وإذا كان «روبي» قد عرّف الجمهور المصري والعربي إلى الممثلين اللبنانيين، فإن «جذور» سيفتح لهم الطريق للوصول إلى مصر، حالهم حال نجوم سوريا، وليس الاستعانة بهم بين الحين والآخر في أدوار ثانوية لا تسمن ولا تغني من جوع. ولا شك في أن الأعمال الدرامية المقبلة، ستثبت الحضور اللبناني أكثر على الساحة العربيّة.