القاهرة | حسناً فعلت فرقة «مسار إجباري» المصريّة باختيارها أغنية «إقرا الخبر» لتكون عنواناً لألبومها الأول، واختيارها أيضاً أغنية «حاوي» لتصوير كليبها الأول. ليس المعيار هنا أنّ الأغنيتين هما الأنجح بين أعمال الفرقة المصرية السكندرية الشابة، بل لأنّ الفرقة تقدّم نفسها عبر الألبوم والكليب بواسطة أغنياتها الخاصة تأليفاً وتلحيناً وغناء، أي بعيداً عن تراث سيد درويش، وسيد مكاوي، وكلمات صلاح جاهين، ذلك التراث الذي هيمن طويلاً على معظم أغنياتها.
علماً أنّه منذ تأسيسها عام 2005، عمدت الفرقة إلى إضفاء لمستها الموسيقية على ذلك التراث عبر المزج بين الروك والموسيقى الشرقية، على يد مؤسسيها هاني الدقاق (غناء وغيتار)، وتامر عطا الله (درامز)، وأحمد حافظ (باص)، الذين انضم إليهم لاحقاً محمود صيام (غيتار)، ومحمد نبيل (إيقاعات).
وفقاً لمتجر «فيرجن ميغا ستورز»، حقق الألبوم نجاحاً متصدراً المبيعات منذ صدوره في 12 نيسان (أبريل) الماضي. الألبوم الذي أنتجته «فيلم كلينكيك» (محمد حفظي) من توزيع «بيراميدزا» (ريتشارد الحاج)، يضم عشر أغنيات في مقدمتها «إقرا الخبر» من كلمات آمار مصطفى. هنا، يغني هاني الدقاق إحباط الشباب، ساخراً من واقع لا يطلبهم «مالية الجرايد إعلانات/ للخدامين والخدامات/ أشغال كتير راتب كبير/ حاسب ليوم عقلك يطير/ مطلوب خبير يحكي حكايات/ أو سمكري يعرف لغات». ذلك الواقع الذي لا يجد الشبان أنفسهم فيه، يضطرون إلى التحايل عليه كما يبدو في أغنية «حاوي» التي كتب كلماتها محمد جمعة: «بقيت حاوي/ بقيت عارف/ اطلّع من دموع الفرح لقمة عيش/ بقيت قادر/ أداري الدمعة جوايا ما بيّنهاش/ بقيت راضي/ أنام رجليا مقلوبة كما الخفاش». وقد ترجمت في كليب من إخراج عماد ماهر ترجمة شبه حرفية، حيث تتقاطع فيها صور الفرقة أثناء الغناء، وصورها وهي تركب «ميكروباص» يقوده مغنيها الأساسي وملحن الأغنية هاني الدقاق.
يمكن القول إنّ الأغنية هي التنويع الخاص للفرقة على ما سبق أن غنّته من كلمات الكبار الراحلين، تبدو «بقيت راضي... أنام رجليا مقلوبة»، كما لو كانت انعكاساً لرباعية صلاح جاهين «أنا اللي بالأمر المحال اغتوى» التي غنتها الفرقة سابقاً تحت عنوان «غمض عينيك». وهو مدخل رباعية أخرى لجاهين، منحتها الفرقة لحنها الخاص بعيداً عن اللحن الشهير لسيد مكاوي.
تفتتح الفرقة ألبومها بأغنية «ماتخافش» التي تبدو كدعوة إلى التحدي (كتب كلماتها دعاء عبد الوهاب): «ماتخافش من بكرة/ خاف بس من خوفك/ خلي الحياة فكرة/ وارسمها بحروفك».
غير أنها تنتقل سريعاً إلى الحزن في الأغنية التالية «الليل» التي كتب كلماتها حمدي زيدان: «الليل طويل/ مالوش جيران غير السكات/ الليل حزين/ محتاج يضمه/ صدر الحارات»، لكن الألبوم يحدث نقلة «واقعية» مع أغنية «المرور» من كلمات آمار مصطفى أيضاً التي تنتقد سلوكيات الشارع «دي مش طريقة/ فاكر نفسك/ ماشي لوحدك في الطريق/ شارع ده وللا سيرك ولا ما عادش حد يهمه شيء»، مع محاولة في نهاية الأغنية لمنحها طابعاً سياسياً «سوء إدارة على سوء نظام/ وكلام في كلام/ وتريللا بتمطر زلط وسط الزحام».
الأغنية الأشهر «حاوي» تحتل الترتيب الرابع في الألبوم، بينما تحتل «إقرا الخبر» الترتيب التاسع. أما الأغنية الخامسة «أدّف» (من التجديف بالقارب)، فتحمل كلماتها شحنة شعرية رقيقة بقلم بلال حسني: «برة الحياة المتعبة/ الوشوش والرتابة والأتربة/ عدّي الرصيف/ وبعد كام موجة بتشبه للحياة/ مركبة/ أدّف بعيد/ واياك تعود/ وان قالوا ليك/ هنا حياة/ هنا وجود»، ونستمع إلى الأغنية مرة أخرى بتوزيع مختلف في آخر الألبوم.
أما «شتا»، فموسيقى من دون كلمات، مع صولو بآلة الكولة، وأخيراً، تأتي أغنية «إجباري المسار» التي جاء اسم الفرقة من عكس ترتيب كلمتيها. كلمات محمد السيد تشدو بالحنين إلى أزمنة ماضية «كان زمان الحلم ساهل/ كان خيالي لسة بكر/ لسة ما غيرش عقلي أي منطق ولا فكر»، لكن زمان البكارة ينتهي ككل شيء، بلا حيلة من صاحبه «بس اللي صار/ مش اختيار/ إجباري المسار»، لكن ما لم يكن «إجبارياً»، هو أن تكون جميع ألحان الألبوم من توقيع مغني الفرقة هاني الدقاق، الذي يبذل جهداً في بث التنوع اللحني، واختيار الكلمات من شعراء متنوعين، وينجح في الكثير من الأحيان، لكنه يبقى في النهاية خيالاً واحداً، يحتاج إلى إثرائه بأفكار لحنية أخرى.