مزيج غريب يجمع بين السوريالية والشعبية قدّمته أخيراً فعاليّة إطلاق ألبوم الهيب هوب/ الراب «أثر الغُراب» التي أقامتها مجموعة من الفنّانين، على رأسهم صاحب الألبوم «كاز الأمم» والقاص هشام البستاني في «المركز الثقافي الملكي» في عمان. تميّز العرض باشتباك أغنيات الراب ذات اللغة المحكية البسيطة المباشرة التي تعتمد على تناول قضايا اجتماعية وسياسيّة بطريقة حادّة، مع نصوص القصّة القصيرة التي قرأها البُستاني من مجموعته «أرى المعنى» (الآداب ـ 2012) إذ تتمتّع هذه القصص بلُغةٍ مُختلفة أكثر نخبويّةً ورمزيّة، وأقلّ مباشرة. يحتوي «أثر الغراب» على 8 أغنيات هي: «البداية»، «شوارع يولوجيا»، «شِتا»، «أثر الغراب»، «نلمح النور»، «ضحك عاللحى»، «تجاعيد»، «ليست نهاية: لست أدري».

ولعلّ اسمَ الألبوم ملفتٌ ومُثير، فكما عُرفَ عن الغراب أنّه نذير شؤم يحط فوق الخراب أو يُبشّر فيه، فيأتي «كاز الأمم» ليتوعّد الطغاة والرأسماليين ومستغلي الشعوب أن يكون ظاهراً لهم مع «كل أثر غراب». كأنّ أثر الغراب هنا استعارة سوريالية تُعبّر عن الثورة وفعل المقاومة لتخليص المجتمعات من معاناتها مع أنظمتها الاستبدادية التي تسعى للفتن الدينية والطائفية لتفتيت هذه المجتمعات. خلال أدائه هذه الأغنية، أطلّ البُستانيّ بمونولج صغير، يعكس صورة الأرض التي يقضمها الإنسان يومياً بجرائمه إلى أن حوّلها إلى أرض جرداء قاحلة: «أنتَ مائي. قالَت/ لستُ ماء، أنا كُتلةٌ من خراب/ أنتَ حديقتي، قالتْ، وأنا أزهارُك البريّة/
لستُ حديقةً، بل أنا البستانيُّ الذي تشقّقت يداهُ وسكنهما الجراد».
«أثر الغراب» هو أوّل ألبوم لـ «كاز الأمم ـ ترابيّة»، يشارك فيه كل من أسلوب/«كتيبة 5» (فلسطين/لبنان)، أيمن ماو (السودان)، «إدد عبّاس/ «فريق الأطرش» (لبنان)، «غرض شعري» (فلسطين)، عبد الله ميناوي (مصر)، وهشام البستاني (الأردن). لم تقتصر مشاركة البستاني على العرض وحسب، بل في الألبوم نفسه حيث قدّمَ بصوتِه مقاطع من قصصه تتخلّل الأغنيات. تميّز العرضُ بالتمهيد الموسيقي للأغاني والقصص من خلال مشاركة عازف الكمان المصري حسين عبد المنعم الذي قدّم مقطوعات له بطريقة مُتميّزة، فكان يتجوّل في المسرحِ مع كمانِه ليضع أرضيّة دراميّةً لما سيغنّى بعده، كما رافق البستاني في قصّة بشكل مُنفرد: «هل يكون من سوّاني ليسَ بعظيم؟ سأَلَتْ،/ فسقطت عيونها على الأرض/ وتدلّى من فمها لسانٌ يلثغُ الكلمات/ كانت تجلسُ أمام المرآة وحيدة طوال الوقت، تميل إلى اليمين واليسار، تطمئنُّ على انحناءة الأنفِ ونَفْرَةِ الشّفَتين/ في الفراغَيْنِ تحت الجبهةِ ظهرت ديدانٌ على شكلِ أحرفٍ مفكّكة: ا، ل، ر، ج، ا، ل/ لم يصطفُّوا يوماً على بابها، فصارت نرجسةَ الكونِ سوّاها العظيم».
الواقفانِ يمنةً ويسرةً كتبا التقرير، وحين خرجت الأوراقُ من الفاكس السماويّ مباشرةً إلى يَدَي ذلك الجالس في الكرسيّ منذ زمنٍ طويلٍ طويل، رفَعَ حاجِبيه، وفي اللحظة التي نزلا فيها، كان إصبعٌ عملاقٌ يضغط تلكَ التي نسيَ متى وأين وكيف ولِمَ سوّاها، فصار طولها أقلّ من ميليمتر، بستّةِ أرجل، تعيشُ بين الأوراق، وتتناسل عُذريّاً. عندما تبحثُ في المراجع العلميّة تجدُ اسمها: قملةُ الكُتُب».