عكا | تبدأ القصة يوم 15 تموز (يوليو) 1948. طائرات العصابات الصهيونية تقصف قرية صفورية (قضاء الناصرة)، أفراد العائلة لم يكونوا كلهم في البيت: مريم (14 سنة) وأمها في المنزل، أحمد (12 سنة) يلعب في الأحراج قريباً من القرية، والأب يقاوم مع الثوار. تُقصف القرية، تذهب مريم وأمها باتجاه الشمال، وأحمد غرباً باتجاه كفركنا ثم باتجاه لبنان إلى أن يلتقي مريم وأمّه في جنوب لبنان. أما الوالد، فاستشهد غالباً في معركة «الليات- البروة».
يعرف أحمد ما مرّ على مريم ووالدته خلال الطريق، هذه الطريق في عيون الأخوين هي مسرحية «التغربية». قدِمت عروض «التغريبة» (وإعداد وإخراج عامر حليحل) أخيراً في «مسرح الميدان» في حيفا. تعتمد المسرحية على شهادات جمعتها «مؤسسة الجنى» في لبنان قبل 8 سنوات من لاجئين في مخيمي «عين الحلوة» و«نهر البارد»، ضمن ملف بعنوان «يا بلدنا ليش هجرتينا؟». إنّها شهادات أشخاص عاشوا النكبة، لكنها ترتكز أساساً على مرحلة ما بعد التهجير والخروج من القرى، وتوثيق هذه الفترة بعيون اللاجئين الذين عايشوها صغاراً. تضم المسرحية 3 شخصيات؛ مريم (خلود طنوس)، أحمد (مراد حسن) والأب/ المسافر (هنري إندراوس). يبدأ العرض بدخول «المسافر/ الأب» (شخصية أضافها عامر حليحل إلى شهادتي مريم وأحمد) إلى الخشبة وهو يلتقط أنفاسه الأخيرة، حاملاً ساعة خشب كبيرة، دلالة على الزمن الذي توقف في المعركة. أحمد ومريم على الخشبة طوال الوقت. كل واحد يروي قصته بلا حوار بينهما. النصان أعدهما حليحل من شهادتي الأخوين الأصليتين، محافظاً على طفولية الوصف وروح السرد، وجمل غير صحيحة مسرحياً وأحياناً تاريخياً، لكن قرار المخرج جاء «لأنّ النص هو روايتهما التي تفوق صدقاً أي دراسة تاريخية» يقول حليحل لـ «الأخبار». أما النص الثالث، وهو النص الوحيد لشخصية «الأب/ المسافر» فمأخوذ من «قصيدة في زجاجة» للشاعر الفلسطيني معين بسيسو (1926- 1984). هنا، ينقل المخرج المسرحية من مادة وثائقية ويدمجها بالمادة الشعرية، وبالتالي يمنح الوثائقي أبعاداً إضافية تروي قصة أحمد ومريم على نحو غير مباشر. وقد أضيف إلى نص «الأب/ المسافر» أغنيات عبارة عن مقاطع من القصيدة، ألّف موسيقاها ريمون حدّاد وتريز سليمان التي غنّتها أيضاً. قليلة ربما هي الأعمال الفلسطينية التي تحدثت عن النكبة في تاريخ المسرح الفلسطيني. يرى حليحل أنّ الاشتغال على أعمال توثّق النكبة في هذه المرحلة بالذات مهمّ جداً لأن الجيل الذي عاصرها يرحل عنّا.