مجدداً، وقع المشاهد اللبناني فريسة المنافسة بين الشاشات اللبنانية على الإثارة! يوم الأحد الماضي، سار «الأسبوع في ساعة» (الجديد ــ 21:30) على خطى زميله في الكار مارسيل غانم (الأخبار 8/6/2013). برامج الـ«توك شو» باتت تشكل طبقاً دسماً مدسوساً بالسمّ، متبّلاً بالشتائم والكلام النابي. أعدّ جورج صليبي وصفة محكمة للتحريض شملت ضيوفاً، أمثال مؤسس التيار السلفي داعي الإسلام الشهال. وطبعاً، لا بد من الإتيان بضيفين سوريين متعارضين للحديث عن التطورات الأخيرة هناك. ولا بأس بانتهاج معايير فيصل قاسم في هذا المحور تحديداً لمزيد من الإثارة، فضلاً عن فتح الهواء أمام لغة الشتائم والسوقية التي تولّاها كل من المحلل السياسي السوري أكرم مكنّا، ونائب قائد «الجيش السوري الحرّ» مالك الكردي. وللإضاءة على الشؤون المحلية، كان للكاتب السياسي فيصل عبد الساتر، ولمدير تحرير صحيفة «المستقبل» جورج بكاسيني حصّتهما أيضاً.
حسناً فعل صليبي وفريق العمل في اعتماد هذه الوصفة المربحة التي لا تحتاج إلى بذل أي جهد سوى وضع المتصارعين وجهاً لوجه. وإن لم ينجح ذلك، فلا بأس بافتعال الإثارة. هذا ما ظهر مع بداية الحديث عن تدخل «حزب الله» في القصير. عندما رأى صليبي أنّ الحوار يسير بشكل هادئ، بدأ يكرّر ما يقوله بكاسيني لعبد الساتر، الماضي (كالعادة) في المداخلة من دون الانتباه إلى ما يجري. في هذا المحور (امتد لأكثر من نصف ساعة)، بدأ تبادل الاتهامات بالقتل واقتراف المجازر في سوريا، وصولاً إلى تناول رجال الدين الذين حرّضوا على «حزب الله». بعدها، علا الصراخ في الاستديو بعد الشحن المتبادل على وقع عبارات مثل «ما حدا قتل الحريري غيركم» كما قال بكاسيني، ثم أنهى صليبي المحور. وانتقلت الدفة بعد ذلك إلى الشهال، الشيخ السلفي الذي لم يبق سمّاً إلا قذقه، سواء على الجيش اللبناني، أو على طرابلسيين من مذاهب أخرى لينتقل بعدها إلى الدفاع عن المجموعات المسلحة التي تذهب للقتال في سوريا، من ضمنهم نجله. لكن «المتعة» لم تبلغ ذروتها إلّا مع الاقتراب من نهاية الحلقة. باشر الضيفان السوريان تبادل الكلام النابي والشتائم والاتهامات، مستخدمين مصطلحات لا تمت إلى الأخلاق والحضارة بصلة. ماذا فعل جورج صليبي لوقف المهزلة التي تحدث على الهواء مباشرة؟ لا شيء! حاول الإيحاء بأنّه سيوقف الحلقة، وهو طبعاً ما لم يحدث. وأنهى الإعلامي اللبناني حلقته بالاعتذار من المشاهدين عن «كلام وعبارات خارجة عن حدود اللياقات التي كنا نتمنى عدم الوصول إليها»!. اللافت هنا هو تخصيص صفحة البرنامج الفايسبوكية مكاناً للرابط الإلكتروني للحلقة، وآخر خاص بالقسم الأخير المليء بالأكشن، فيما لوحظ ارتفاع نسبة المنتسبين إليها بشكل كبير. وفي ظل تردي واقع الشاشات اللبنانية أكثر، يبقى السؤال عن دور الجهات المسؤولة في وجه كل هذا الجنون؟ ألا يكفينا الدم الذي يسيل يومياً والدرجة العالية من التحريض التي وصلنا إليها؟