صنعاء - قال أدباء ومثقفون يمنيون: «خلاص، انتهينا ونجونا. جاءت الثورة وفتحت الحياة أحضانها لنا. سنعيش بأمان. حياة بعيدة عما كان في السابق من ملاحقات وإدانة كتابات إبداعية وفتاوى هدر دماء أصحابها الذين خرجوا عن المألوف في بيئة اجتماعية شديدة المحافظة. انتهى كل هذا» قالوا، ذاهبين في طريق إشعال ثورتهم ضد نظام تمّرن طوال 33 عاماً على استخدام الجماعات الدينية المتطرفة وسيلة إرهاب ضد معارضيه من حركات اليسار اليمنية.
جاءت الثورة إذاً مندلعة بأصوات طلاب اليسار في «جامعة صنعاء» ليسير بعدها الجميع من مختلف الطوائف والفئات الاجتماعية والسياسية، لكن عندما تبيّن أن نظام علي عبد الله صالح صار على وشك التلاشي والانهيار، تغير الموقف تماماً. خرجت طائفة من تابعي الثورة بصوتها القديم وشعاراتها التي اعتقد أهل اليسار أنها صارت في الأرشيف. الحكم على الناس من منطلق ديني متعصب يبحث في النوايا والعقول والأفكار، وبين سطور الكتابة. ظهر أنّ أهداف هذه الثورة الجديدة سُكبت في النهر ولم يعد ممكناً اللحاق بها. لقد عادت إلى جيب ذلك النظام الأصلي القديم الذي بات أكثر شراسة.
كانت البداية بحملة تكفير ومطاردة طالت الروائية والناشطة اليمنية الشابّة بشرى المقطري صاحبة «خلف الشمس» (المركز الثقافي العربي) بسبب نص أدبي شكت فيه ترك العالم لشباب اليسار وحيدين في مواجهة الرصاص والقتلة.
تلتها حملة أدارها «حزب التجمع اليمني الديني» الذي ينتمي إليه رجل الدين المتطرف عبد المجيد الزنداني، المتورط في قضايا إرهاب عديدة. استهدفت الحملة أصحاب رأي في جهات حكومية اعترضوا على تصرفات أفراد ذلك الحزب المعتمدة على فتاوى من مشايخهم، والهادفة إلى إسكات أي صوت مخالف.
الجديد اليوم حملة تكفير بلغت الجامعات اليمنية، بدءاً من تكفير سالي أديب الطالبة اليسارية في كلية الحقوق (جامعة تعز ـ جنوب صنعاء) على يد أستاذها الأصولي بسبب مطالبتها بإتاحة المشاركة السياسية للمرأة. ومرت حملة التكفير لتقف عند قاعات كلية التربية في «جامعة البيضاء» (جنوب صنعاء)، بسبب قيام محاضر شاب بوضع روايتي «الرهينة» لزيد مطيع دمّاج و«حرمة» للروائي اليمني علي المقري كنصوص للنقاش في إحدى المواد التي يدرّسها، لكنّ جماعة سلفية تابعة لتنظيم «القاعدة» في اليمن وشبه الجزيرة العربية شنّت حملة عليه بدعوى أنّ «الروايتين تحتويان على كلام يخالف شرع الله وسرد لمشاهد جنسية تنقد تصرفات الجماعات الإسلامية». هكذا، صدرت فتوى بقتل المحاضر والشاعر أحمد العرامي وقطع رأسه وتعليقه في مدخل المدينة! من جهتها، قامت رئاسة الجامعة بدور المتواطئ غير النزيه وغير المحترم للتقاليد الأكاديمية التي تحرص على احترام حرية التفكير، عندما أصدرت قراراً قضى بفصل العرامي رغم أنه أعلن أنّ الروايتين غير مقررتين رسمياً، كما أنهما غير ممنوعتين في اليمن. لم يتوقف الأمر هنا. وصل التهديد حدود منزل الشاعر الشاب ومسّ حياة عائلته وسط تخلي الجهات الرسمية عن واجبها، ممّا دفع العرامي إلى الخروج من اليمن والسفر إلى جهة مجهولة. الروائي علي المقري تلقى فتوى مماثلة، لكنّ تجاربه العديدة في هذا المجال جعلته يعتاد ويرفض السفر إلى الخارج.
يقول المقري لـ «الأخبار»: « حياتي في هذا المكان. سأظل أعيش في هذا البلد ولن أبارحه، وقد ألِفْتُ الحملات التكفيرية، لكن العرامي ما زال شاباً يحتاج لإكمال تعليمه وإنجازه الأدبي. لقد جعلونا نشعر بأننا لسنا من هذا الوطن». يؤكّد المقري أن الجماعات التكفيرية القديمة الجديدة ترى نفسها منتصرة، وقد نجحت في إبعاد كل فرد يخالفها الرأي. الشاعر أحمد العرامي من جهته كتب على صفحته على الفايسبوك «أنا الوحيد الذي لا يملك سلاحاً في اليمن وها قد غادرتها».





تضامن عربي

أصدر مثقفون وكتّاب عرب بياناً تضامنياً جاء فيه: «نعلن قلقنا الشديد عما يتعرّض له الأديبان اليمنيّان أحمد الطرس العرامي وعلي المقري من تهديدات بالقتل من قبل متطرّفين، بعلم السلطات الحكومية (...) إنّنا إذ ندين هذه الممارسات الإرهابية ضد الكاتبين التي تأتي متواصلة مع ثلاث حملات تكفيرية تعرّض لها المقري خلال السنوات السابقة بسبب كتاباته، فإنّنا، في الوقت نفسه، نطالب الحكومة اليمنية بالتدخل السريع لإنقاذ حياتي كاتبين أسهما بشكل لافت في الحياة الثقافية اليمنية والعربية، وتوفير الحماية والعيش الآمن لهما ولأسرتيهما»

بيان تضامني وتوقيعات من أدباء ومثقفين عرب