غرناطة | عبقت شوارع مدينة غرناطة الاسبانية في الأيام الماضية برائحة السينما. فقد اختُتم أخيراً مهرجان «سينما الجنوب» بنسخته السابعة والذي أطلق عليه المنظمون تسمية «مهرجان الألفية» بسبب تزامنه مع احتفالية الألفية لتأسيس مملكة غرناطة عام ١٠١٣. رغم هذا الحدث الاستثنائي، اتسم الافتتاح بالتواضع بسبب الأزمة الاقتصادية التي يشهدها قطاع الثقافة في اسبانيا.
عرض المهرجان ٤٠ فيلماً من بينها عشرة تنافست في المسابقة الرسمية من آسيا، وأفريقيا، وأميركا الجنوبية مع حضور عربي بفيلمين هما «بعد الموقعة» للسينمائي المصري يسري نصر الله، و«يا من عاش» للتونسية هند بوجمعة بمشاركة عربية للمنتج المغربي فؤاد شالة في لجنة التحكيم. مدير المهرجان خوسيه سانشز مونتس أشار إلى أنّه في مناسبة احتفالية الالفية لمدينة غرناطة، خصّص المهرجان تظاهرة كرّمت السينما العربية من خلال عرض خمسة أفلام من بينها فيلمان لمحمد المختاري وداود السيد اللذين سبق لهما أن شاركا في الدورات السابقة من هذا الحدث. وقد أقيمت أيضاً تظاهرة الموجة الجديدة بالتعاون مع «مؤسسة اليابان الثقافية»، حيث عُرضت أفلام الياباني كيجو يوشيدا، احد أبرز القامات في السينما اليابانية وزوجته النجمة ماريكو اوكادا. كما عُرضت ستة افلام وثائقية بمشاركة «مهرجان الجزيرة الوثائقية» منها «غضب السلحفاة» للفلسطينية باري القلقيلي، وفيلم «بارودة خشب» للمخرج السوري الفوز تنجور. فيلم الافتتاح كان مع «الرحم» (2012) لبريانتي مندوزا الحائز جائزة أفضل مخرج في «مهرجان كان 2009» عن فيلمه «كيناتاي». بكاميرا محمولة دوماً، يقترب المخرج الفيليبيني من شخصيات فيلمه الى أن يلتقط بعدسته حالة ولادة حقيقية من الحياة اليومية في قرية صغيرة فيليبينية مهمّشة تدعى مينداناو تقع على الحدود الاندونيسية. الزمن هناك تجمد لكن الولادة تستمر وتصبح ضرورة للبقاء. البطلة (الممثلة الفيليبينية نورا أونور) في أواسط العمر، لم تستطع إنجاب الأطفال مع زوجها، فتبحث له عن زوجة شابة قادرة على إنجاب الاطفال لتبدأ رحلة بصرية متمعنة في عادات وتقاليد هذه القرية المسلمة.
الوقت يمرّ بطيئاً أمام عدسة مندوزا، فيكون الأمر لافتاً في بعض الأحيان، ومملاً في أحيان أخرى. المخرج يبحث هنا عن الحقيقة فقط، لذا فهو لا يهتم بتصوير مشهد الولادة أو ذبح البقرة بكل تفاصيلهما. البناء الوثائقي للفيلم يؤكد أنّ السينمائي أراد التقاط صورة بورتريه لهذه القرية التي تعيش فوق الماء بكل سحرية المكان وألوانه الغنية، وبورتريه آخر للانسان الذي يحبّ الحياة مهما قست الظروف عليه، فينهي فيلمه بحالة ولادة أخرى.
أما عن لجنة تحكيم المهرجان، فقد ضمت المنتج المغربي فؤاد شالة، ومدير مهرجان السينما في Sitges أنخل سالا، ومديرة «مهرجان أودينيسي السينمائي» صابرينة باراشتي، والناقد والأكاديمي في «جامعة مدريد» فرشاد زاهري. وقد فاز الفيلم ذو الانتاج المشترك بين كينيا والمانيا «نصف حياة في نيروبي» (2012) لمخرجه دايفيد توش جيتونغا بالحمراء الذهبية عن أفضل فيلم طويل، وحصل الشريط الياباني «القبض على أبي» بالحمراء البرونزية وهي الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم.
أما فيلم «الرحم» لمندوزا فتلقى لفتة خاصة، وكذلك الحال بالنسبة إلى الممثلتين المصريتين منة شلبي وناهد السباعي عن دورهما في فيلم «بعد الموقعة» ليسري نصر الله. في المقابل، فاجأت باكورة دايفيد توش جيتونغا «نصف حياة في نيروبي» جميع التوقعات. بسهولة، نستكشف بورتريه لمجموعة من الشباب المتهورين الذين يسكنون شوارع نيروبي الكينية، ويسهل أيضاً أن نكتشف محاولة المقاربة بين الفيلم الوثائقي وأفلام العنف الهوليوودية، وتحديداً أفلام كوينتن تارانتينو لكن من دون أن يفقد هويته الافريقية. وهذا العام، تم إطلاق سينما الصيف خلال أسبوع المهرجان في محاولة من المنظّمين للوصول إلى أكبر شريحة من محبّي السينما عموماً، وخصوصاً محبّي السينما البديلة. «بعد الموقعة» ليسري نصر الله كان من أكثر الأفلام المعروضة في قسم المسابقة الرسمية مشاهدةً وقبولاً. تدور أحداث الشريط في مصر بعد سقوط حسني مبارك وقبل الانتخابات حيث نلتقي بشخصيتين كل منهما على النقيض من الآخر، فهي الثائرة العلمانية، وهو أحد خيالة موقعة الجمل الشهيرة في ساحة التحرير، لكنّ قصة حب ستجمعهما رغم هذه الاختلافات.