فاس | فاس العاصمة الروحية للمغرب عادت إلى شبابها الأول في رحاب «مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة». أندلس الثقافات المختلفة تقمصتها فاس خلال المهرجان الذي اختتم قبل يومين، مقدماً برمجة تنوّعت بين الغناء والندوات الفكرية. في دورته الـ 19، راهن المهرجان على تنوع جنسيات الفنانين المشاركين، والأشكال الموسيقية التي يؤدونها. هكذا انطلق مع «أدين بدين الحب» من غناء الإسباني أندريس ماران، وأصوات البدو الرحل القادمين من سردينيا ومنغوليا، والموريتانية كومبان مينت إيلي ورقان في الطرب الحساني، وأشهر عازفي القيثار الإسبان باكو دي لوتشيا الذي يحلّ في لبنان ضمن «مهرجانات بيبلوس» مساء 22 تموز (يوليو)، واللبنانية عبير نعمة التي غنت تراتيل أرمنية وسريانية، إلى جانب موسيقى دينية قدمها مغنيان من مملكة بوتان في جبال الهملايا. وشاركت أيضاً فرنسواز عطلان و«مجموعة القدس»، ومغنية الغوسبل الأميركية لين فين التي قدمت حفلةً مشتركة مع الجنوب أفريقية ليدي سميث. واستقبل المهرجان المنشد الديني من الهند شيام ساندارغوسفامي، والطرب الأندلسي مع المغربي محمد باجدوب، والبنغالي بانديت شيام سندار. حضور الأصوات النسوية تجلى في مشاركة أصالة نصري، والبرتغالية آنا مورا، والمغربيتين سميرة القادري، ورشيدة طلال، والإسبانية كارمن ليناريس، بينما اختتمت أسطورة الروك الأميركية باتي سميث فعاليات المهرجان.
قوة «مهرجان فاس» لا تكمن في برمجته الفنية فقط، بل في الآفاق الفكرية للندوات الموازية. هكذا، حضرت المدارس الفكرية من أقصى الشرق إلى رحاب الشمس الإفريقية، مروراً بأوروبا الفكر العقلاني. وضمت قائمة المشاركين أسماء مهمة مثل السوسيولوجي الفرنسي إدغار موران ومواطنه جاك آتالي، وحاضرت الإيرانية الفرنسية حول ابن الرومي والموسيقى، وقدم جيكم دروكبا من مملكة البوتان مداخلة عن رحلاته عبر أكثر من 200 مدينة، بينما تحدثت سلاماتو سوو من نيجيريا عن دينامية اللغات، وعرضت الأميركية كاترين مارشال أبحاثها حول تقليص الفقر والعدالة الاجتماعية.
اختلاف التجارب المقدمة خلال «فاس» ينعكس عادةً على جمهوره. حضور الحفلات هذا العام، كما في الدورات السابقة، أظهر تنوع عشاق المهرجان بين جمهور شاب متعطش لسماع باتي سميث، وآخر غارق في الوله الصوفي عبر أغنيات تحمل البعد الروحي العميق. ولا ننسى هنا نشاطات أخرى أقيمت على هامش المهرجان، وتضمنت عروضاً سينمائية وحفلات مجانية في الهواء الطلق، ومعارض فنية شملت نصوصاً وأعمالاً فنية لمغاربة وأجانب، كان من ضمنهم النسوية المعروفة فاطمة المرنيسي التي احتُفي بها في معرض «سحر الحريم ــ طفولة بفاس»، كأن المهرجان يصر العودة بالمدينة إلى طفولتها الجميلة.