في كانون الثاني (يناير) الماضي، كانت قناة otv تقف في وجه الموجة السلفية التي اجتاحت لبنان. ولعل حادثة «كفرذبيان» خير دليل على ذلك، عندما قرر الشيخ أحمد الأسير مع عشيرته وقومه الصعود الى هذه المنطقة للتزلّج، إذا بالقناة البرتقالية لا يسعها سوى استذكار مقولة ياسر عرفات «طريق القدس تمر بجونية» في تهويل واضح وتصوير لهؤلاء بأنّهم غرباء على المنطقة ويجتاحون وئامها. وقتها، هوجم مراسلها عندما أراد الاقتراب من الفنان المعتزل فضل شاكر ووصف الأخير المحطة بأقذر العبارات.
واليوم ماذا تغيّر؟ بعد خمسة أشهر، ها هو «الفنان» السلفي يطلّ أمس على الشاشة عينها التي فتحت له الهواء ليدلو بدلوه من شتائم وقدح وذم بشخصيات سياسية وحزبية ودق الإسفين في المؤسسة العسكرية عندما حاول تطييفها بمذهب معين واتهامها بالانحياز الى طرف يقف ضد الأسير. شاكر لم يقف هنا، بل وجه تهديداً مباشراً بالقتل الى رئيس بلدية حارة صيدا سميح الزين وكل من يلتقيه من عناصر «حركة أمل» و«حزب الله» تحت غطاء فتوى دينية حظي بها من مفتين! قال كلمته بكثير من الانفعال والتحدي من دون مقاطعة أو قطع للهواء، لتخلص الإعلامية جوزفين ديب في نهاية المداخلة الى أنّ المحطة لا تتبنّى ما أطلقه شاكر على منبرها.
هذه المداخلة أثارت تساؤلات عدة عن احتضان هذه المحطة وفتح الهواء لهذا الرجل الذي كانت تعاديه وتهاجم خطه. تساؤلات صبّت معظمها في استنتاجات قد تكون مفترضة عن خلفية سياسية ارتأت تبنّيها القناة البرتقالية في وجه حلفائها الحاليين، في ردّ على الخذلان الذي أظهروه جراء مضيّهم في التمديد للمجلس النيابي.
من الناحية القانونية، المسؤولية مشتركة في الجرم بين القناة وشاكر بسبب إعطائه هذه المساحة لبثّ سمومه المذهبية والنعرات الطائفية، وصولاً الى التهديد بالقتل. يشرح المحامي طوني مخايل لـ«الأخبار» أن ما حصل يقع ضمن قانون المطبوعات الذي تخضع له الوسيلة الإعلامية التي خرقت دفتر الشروط المعطى لها ولم تقطع الهواء لهذه المداخلة، بل «استخدمت الأثير الذي هو ملك عام لتناقض المصلحة العامة». أما بالنسبة إلى شاكر، فهو برأي مخايل ارتكب جرائم عدة تتوزع على قوانين العقوبات بصفته قام بالتهديد بالقتل وأثار النعرات الطائفية وخرق القانون العسكري الذي مسّ بمؤسسته، عدا تهديده السلم الأهلي بصفته شخصاً حزبياً وليس فرداً. النجم شاكر أو «الفنان التائب» كما تحب «الجديد» تسميته بما تنطوي هذه الصفة من حكم «أخلاقي» وتطويبه كرجل تاب عن الفن «الحرام»، ظهر أيضاً أول من أمس في نشرتها الإخبارية عبر الهاتف حيث ادّعى سرقة الفيلا التي يملكها في حارة صيدا، وأطلق تهديده بالاقتصاص ممن سمّاهم «حزب إيران» و«حركة أمل». ولدى سؤال المراسلة يمنى فواز عن الدليل الذي يملكه لإثبات صحة ما يدّعيه، تهرّب من الإجابة وعمّم اتهاماته على الجهات الحزبية التي تقطن المنطقة. وسبق ذلك قيام فواز بإجراء تقرير ميداني يظهر صوراً من داخل هذه الفيلا بين أثاث مبعثر وزجاج مكسور وأبواب مخلعة. دارت الكاميرا في أرجاء المنزل برفقة الناطور، لكن لم نرَ دليلاً واحداً على جهة المفتعل. وفي وسط النهار، بدأت حملة تغريدات على تويتر تحت عنوان «أوقفوا فضل شاكر»، تضمنت الكثير من الدعوات الى توقيفه مع انتقادات لاذعة بحقه.
إذاً، الفنان «التائب» لا يزال نجماً تلفزيونياً بامتياز، يطلق شتائمه وتهديداته ويفتح له الهواء. ربما بات هذا الظهور مربحاً وجاذباً لهذه القنوات الشريكة إما في الترويج له وإظهاره بصورة الضحية، أو التواطؤ معه عبر إعطائه مساحة لا بأس بها من الهواء، في انتهاك واضح للقواعد المهنية والأخلاقية.