ضرب الميّت حرام! لكنّ شهادة الوفاة لن تصدر في المدى المنظور، بل إنّ المسؤولين اللبنانيين ما زالوا يجدون ما يمكن تقاسمه في «تلفزيون لبنان» منطلقين من مبدأ «أنا ومن بعدي الطوفان». لطالما كانت القناة الرسمية ضحيّة الحكومات المتعاقبة مع استغلال كل وزير إعلام موقعه لإدخال من يريد إلى القناة بصفة موظف يتقاضى راتباً من دون أن يعرف عتبة التلفزيون إلّا آخر الشهر. دسامة المحطة الرسميّة تجعل الكل يتنازعها ويستمر بعض السماسرة بالإفادة منها والتحكّم بها والسطو على ما تبقى من مقدراتها. أما عقوبة من يسعى إلى التغيير والإصلاح، فهي خسارة موقعه، كما حصل مع رئيس مجلس الإدارة السابق فؤاد نعيم، حين قرّر تحويل المحطة الرسميّة إلى قناة عامة، تتوجّه إلى الشعب اللبناني الذي يدفع مصاريفها من الضرائب.
المشهد في المحطة اليوم مأساوي. فقد قطع وزير الاعلام الحالي وليد الداعوق كل الأموال عن التلفزيون بحجّة أنّ مجلس الإدارة «متربّح»، وتذرع بسوابق المجلس في الهدر، فاقتصرت المبالغ التي تدخل إليه على رواتب الموظفين من دون أي ميزانية تشغيليّة. لعل الوزير محقّ في قطع المصاريف التي تسمى بالميزانية التشغيليّة. فما رُصد من أموال للتلفزيون قبل عامين، لم يستفد فعليّاً إلّا بالجزء اليسير منه، لأن الباقي ذهب إلى جيوب المنتفعين، وبعض هؤلاء يُطالبون بزيادة راتبهم الذي يصل إلى آلاف الدولارات شهريّاً.
الكلام عن فساد وتربّح عُلك في الإعلام كثيراً، لكن الجديد القديم اليوم أنّ رئيس مجلس الإدارة إبراهيم الخوري، لا يحضر إلى التلفزيون منذ ثلاثة أشهر بداعي المرض، ولا يُمارس من مهامه سوى التوقيع على البريد. وهو حال باقي أعضاء المجلس والعشرات من الموظفين الذين يعملون في الخارج ويتقاضون رواتبهم من المحطة، وأحدهم وُظف في قناة خاصة محليّة، وواصل تقاضي راتبه من التلفزيون. وحين طلبت منه إدارة القناة الخاصة التفرغ للعمل فيها، استقال منها لأن الحصول على الراتب من دون عمل أكثر سهولة. وفي ظلّ المأزق الذي تعيشه المحطة، وعد الخوري من مكتب الوزير مباشرة، بأنّه سيحصل على التأمين الـ VIP مع باقي أعضاء مجلس الإدارة للعامين 2013 و 2014 الذي أوقف في نهاية نيسان (أبريل) الماضي للتخفيف من المصاريف بعد تسديد المبالغ المكسورة في العامين الماضيين، إنما بشروط معينة.
تشهد العلاقة بين الوزير والمدير تأزماً قديماً، فوليد الداعوق كانت لديه ملاحظات على أداء المجلس وسياسة التلفزيون المالية والإنتاجية والتسويق وبيع البرامج، ووضع يده على ملفات تكشف الأخطاء بل الهدر والفساد. حاول الوزير كثيراً إصلاح الوضع، لكنه لم يفعل شيئاً، مع أنّه كان الوحيد الذي لم يدخل أزلامه كموظفين إلى التلفزيون. لكن عندما دخل مرحلة تصريف الأعمال أخيراً، يتردّد أنه يعمل على إدخال أكثر من اسم في السلّم الوظيفي للتلفزيون، قد لا تكون وظائفهم في مواقع معينة في المحطة، بل مجرد موظفين يتقاضون رواتبهم في آخر الشهر. ويكشف مصدر أنّ بعض القرارات التي اتخذها الوزير كانت مجحفة في حق التلفزيون، لعله يتحدث فقط عن «الإعاشات» التي أوقفتها الوزارة، لكن النقص في التلفزيون يمتد الآن إلى أبسط الضرورات التشغيليّة اليوميّة من محابر وورق وأشرطة وقطع غيار لبعض الأجهزة التي تعاني أصلاً حالة سيئة، ثم توقف البث الأرضي في أكثر من منطقة لبنانيّة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وهو ما أوقف محطات التشغيل.
ينتقد أحد المتابعين لملف التلفزيون تدخّل سكرتيرة الداعوق ريتا هاني بشكل يصفه بالمباشر والاستنسابي. ويتردّد بأنّ الوزير سيصدر مذكرات توظيف تقضي بتعيين هاني مسؤولة قسم مستحدث هو التسويق، إضافة إلى فصل مديرية البرامج والإنتاج إلى مديريتين مستقلتين، كما يتردّد أنّ هناك ضغوطاً يمارسها وزير الصحة العامة علي حسن خليل لتوظيف أحد المحسوبين عليه. ويبدو أن القصر الجمهوري على معرفة ببعض ما يجري من تجاوزات. إذ علمت «الأخبار» أن سكرتيرة الوزير ستسافر على رأس وفد من شخصين (إضافة إليها) إلى الصين لتوقيع اتفاقية مع قناة Cctv، تتيح بث بعض البرامج البيئيّة والسياحيّة والثقافيّة التي تنتجها الشبكة الصينيّة إلى الجمهور اللبناني. وقد اختارت هاني أن يتألف الوفد منها شخصيّاً ومن رئيس العمليات سليم قازان والإعلامية ندى صليبي. وهذا ما يتحفظ عليه بعض العاملين في التلفزيون، على اعتبار أنّ آخرين هم الذين يجب أن يشكّل منهم الوفد. وبينما حاولت «الأخبار» مراراً الاتصال بوزير الإعلام من دون جدوى، يستمرّ الشلل في ضرب «تلفزيون لبنان»، فهل من يجد حلاً جذرياً لمشكلته المستعصية؟ هناك حلّان: إما الاتفاق سريعاً على اسم رئيس مجلس الإدارة من خارج الأسماء المتداولة التي يرفضها رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو العماد ميشال عون، أو الإعلان رسميّاً عن إعدام المؤسسة الرسميّة.