في «جمهورية البندورة» كما أحبّت أن تسمّيها mtv، تُقلب الحقائق ويضلّل الرأي العام ويتحوّل المعتدي الى معتدى عليه! هذا ما تدلّ عليه «جولة» مار مخايل مساء الجمعة. تمت ممارسة كل أنواع الترهيب والتخويف وشهر السلاح في وجه ناشطين وناشطات عزّل في مقر جمعية «نسوية» من قبل مرافقي النائب نديم الجميل.
لكنّ الرأي العام كان أمام روايتين: بيان للجميّل يلبس فيه لبوس الضحية ويدّعي أنّ هؤلاء تهجموا على سيارات موكبه مع التنويه «بالمهنية العالية» لعناصره الأمنيين، وبيان لـ«نسوية» يروي الحادثة بتفاصيلها ويضع اللوم على بعض وسائل الإعلام التي تبنّت رواية الجميّل من دون التحقّق من صحتها في تغليب واضح «للخلفيات السياسية على المنطق» كما قالت.

فعلاً، راحت قناة mtv تدافع عن الجميّل وتتبنّى روايته في تغطيتها للاعتداء. قالت شاشة المرّ «تعرّض الموكب لاعتداء بالعصي والحجارة من جماعة جمهورية البندورة (...) ما أدى الى جرح أحد مرافقيه وتضرر سيارتين له»، متناسية ممارسات هؤلاء في حق الناشطين. وفي اتصال مع النائب الكتائبي، ادّعى الجميّل أنّ «خمسين شخصاً يحملون العصي والحجارة هاجموا الموكب من دون سبب، وقاموا بتكسير السيارات وعادوا واختبأوا في pub». هذه الرواية الأحادية المجتزأة ناقضتها مقدمة نشرة أخبار lbci مساء السبت. أفردت القناة مساحة كبيرة للحادثة في مقدمة نشرة أخبارها المسائية، ووصفت ما حصل «بالتراجيدي» حين سحب المرافقون السلاح على الناشطين، و«استكمل مخفر الجميزة فصول المأساة عبر احتجاز المعتدى عليهم». ووصفت القناة ما حصل بأنّه «حوّل أزقة الفرح في مار مخايل الى ساحات تهديد وتشبيح»، وختمت بدعوة الجميّل وزملائه الـ127 الى الاعتذار عن التمديد أولاً. أما قناة «الجديد»، فحاولت إرساء توازن بين الفريقين عبر استصراح الناشطات والوقوف على مشاهداتهن. كذلك، أعطت للجميّل الكلام ليكرّر روايته الشهيرة ويشيد بـ«مهنية ووعي مرافقيه»: «ما صار ولا ضربة كف»، قال بثقة، متناسياً كل هذا الاستعراض التهويلي «البلطجي» بحق الناشطين.
في خضم هذا الاصطفاف وتحوير الحقائق، برزت مي شدياق بقوة على الساحة الافتراضية عندما أطلقت سلسلة مواقف مدافعة عن نديم الجميّل، ومستهزئة بالناشطين، فتساءلت: «حدا يفسرلي شو صار معنى مجتمع مدني؟ في حدا يفسرلي شو معنى نساء ونسوية؟» بعدها، راحت تكيل مجموعة من الأوصاف المحقرة لهذه الشريحة من المجتمع، ولم تنس تسييس ما حصل وإيهام الرأي العام بأنّ ما حدث هو حادث مدبر، وربطت ذلك بحادثة اغتيال والده. كذلك، لم يخل نقدها من التهجم على مدير النشرات الإخبارية في lbci الزميل السابق خالد صاغية من دون أن تسمّيه، لتبدأ بإطلاق مصطلحات مرّ عليها الزمن، فقالت ساخرة عن صاغية: «أنا اليساري رايح أخرق قلعة اليمين المسيحي»، داعيةً إياه الى «البحث عن مكان آخر يحرّض فيه».
إذاً، من جديد تدخل السياسة في حسابات بعض القنوات اللبنانية لتحوّر الحقائق، وتربك الرأي العام. لكن كيف يمكن جمعية نسوية أن تقوم بالتهجّم على عناصر مدجّجين بالسلاح؟ تساؤل طرحه محامي «نسوية» نزار صاغية على قناة «الجديد»، أو طرحه على مَن صدّق رواية النائب نديم الجميّل.