في مليونية «استعادة الثورة»، استعادت الميادين المصرية نبضها الثوري ومشهدها السابق عند إطاحة الرئيس السابق حسني مبارك. أمس، تجمهر المطالبون برحيل محمد مرسي في الساحات عينها، مستجيبين لحملة «تمرَّد» التي جمعت أكثر من 22 مليون توقيع للمطالبة بإسقاط الحكم. مقابل هذه الساحات، احتشد المؤيدون لمرسي من قوى إسلامية في منطقة مسجد «رابعة العدوية» بالقرب من آخرين معارضين تحلقوا حول قصر الرئاسة في الاتحادية.
إذاً، انقسم المشهد الشعبي المصري، مما انعكس أيضاً تمايزاً في التغطية الإعلامية لهذه التظاهرات بين مختلف الفضائيات العربية والأجنبية الناطقة بالعربية. بداية، شكّلت «الميادين» رأس حربة للمعارضين المصريين. واكبت القناة الحدث وأفردت ساعات بثها للوقوف عنده وتحليله وقسمت شاشتها الى أربعة أجزاء ضمت صوراً حيّة منقولة مباشرة من مختلف المحافظات المصرية (الاتحادية، ميدان التحرير، الإسكندرية، القاهرة...) التي شهدت التحركات المضادة لمرسي. وتحت وقع عناوين أهم الصحف المصرية التي تلاها مراسلها من هناك (نهاية عصر الطغاة/ إرحل/ يوم الحساب)، بدا المشهد شبيهاً بانتفاضة الشعب المصري قبل عامين. بعد ذلك، تولّت مراسلة القناة هبة محمود نقل ما يحصل في ميدان التحرير وسط الجماهير المحتشدة، بالإضافة الى افراد استوديو خاص من مصر تولى البث المباشر وتوزيع المشاهد من مختلف المناطق المصرية. ولم تهدأ شاشة «الميادين» طيلة النهار بإيراد الأخبار العاجلة لحظة بلحظة.
من القاهرة أيضاً، أفردت «bbc عربي» تغطية للحدث، ومدّت شبكة لمراسليها في المحافظات كافة واستضافت محللين يعكسون وجهات النظر المختلفة بين مؤيد ومعارض للرئيس المصري. ركّزت المحطة على الجانب الاقتصادي الذي يعتبر أساساً في هذه التحركات، فقد أوردت في أحد تقاريرها ما سمّته حصاداً لعام أمضاه مرسي في الحكم ولم يجلب سوى الفشل وارتفاع معدل البطالة والدين الخارجي. وكان جلياً تكرار المحطات العربية للازمة «الانحدار نحو العنف» والاقتتال. هذه اللازمة تلاقت مع ما بثته «france 24» التي عنونت الحدث «مصر في يوم الحسم» عن احتمال اندلاع «أعمال عنف» وسط «مخاوف وترقّب» لما سيحدث واحتمال الانزلاق نحو الاشتباك بين الساحات.
ولعلّها المرة الأولى التي لا تلتقي فيها «العربية» و«الجزيرة». بدا هناك تناقض واضح في التغطية ومقاربة الحدث المصري. القناة السعودية التي طبعت شاشتها بشعار «عام على الرئاسة»، وضعت ثقلها في متابعة الميادين الغاضبة ضد الرئيس المصري وراحت تنقل صوراً حيّة من داخلها وتطمئن الى سلامة الإجراءات الأمنية والأهلية لتفادي وقوع الصدام، كما خصّصت فقراتها الاقتصادية الرئيسية لما خلّفه حكم مرسي من تضخّم في الأسواق وازدياد الفقر. أما «الجزيرة»، فقد بدلت ثوبها وأعطت صورة معاكسة لما اشتهرت به إبان الانتفاضة الأولى قبل عامين عندما كانت رائدة في الميدان وصنعت مع الثوار ثورتهم وصولاً الى تحقيق مطلبهم بإقصاء مبارك. اليوم، اختلفت الصورة، والسياسة المتبعة فرضت تركيز التغطية على ميدان «رابعة العدوية» حيث يتواجد الموالون لمرسي تحت شعار «حماية الشرعية». راحت تنقل ما يحصل من هناك، وسط تنبؤات بحدوث أعمال عنف، وانكبّت على الترويج للقوى الإسلامية الداعمة لمرسي ومنحها مساحة هامة والإضاءة على حملة «تجرّد» المضادة لـ«تمرّد»، مدعيةً أنّها ستحصل على تواقيع أكثر من 26 مليون مصري مع التشكيك بالحملة الأخرى وصدقيتها. وكي تحلو الأجواء «الثورية»، كان لا بد من التوقف عند «إنجازات» الرئيس المصري والاختبارات التي تجاوزها والقروض التي حصل عليها من قطر والسعودية وغيرهما لانتشال مصر من الواقع الاقتصادي المرير. والأكثر غرابة في التغطية كان إفراغ التظاهرات من محتواها وتحميل المعارضة مسؤولية رفضها للحوار وللمبادرات وبالتالي الإدعاء بأنّ نزولها الى الشارع هو بقصد إحداث صدام مع الموالين.