القاهرة | إنّها عبقرية الكارت الأحمر. منذ «30 يونيو» وما تلاه، سيطرت كلمة واحدة على التظاهرات المصرية في جميع المحافظات والأحياء هي: «ارحل». توحّدت الشعارات والملصقات لمعارضي الرئيس محمد مرسي الذين لبّوا دعوة حملة «تمرد»، جامعين توقيعات 22 مليون مواطن لسحب الثقة من «رئيسهم» في ذكرى عام على توليه الحكم. لم يكن إخراج الكارت الأحمر للرئيس مجرد استجابة لنداء «تمرد» أو «جبهة 30 يونيو» التي تضمّ كل الأحزاب والحركات المشاركة في الحدث أو لجانهما التنسيقية التي شدّدت على توحيد اللافتات والشعارات المرفوعة من أجل إحباط أي محاولة لدس عناصر تحاول الوقيعة بين المشاركين كما جاء في بياناتهم.
لكنّه عكس ميلاً واتجاهاً فكرياً بين الطبقات الشعبية والجموع الواسعة لاستخدام لغة كرة القدم، ولعب دور الحكم بامتياز: هل هناك أبلغ من قاموس كرة القدم بين المصريين؟ وهل هناك شيء يستعصي على قدرتهم على الابداع وإطلاق النكات هنا وهناك على أزماتهم العصية على الحلّ؟
تعالى الصفير بين الجموع في التحرير، وأمام قصرَي الاتحادية والقبة، وتنوعت نغماته بين صفارة الحكم القاطعة الواعدة بالطرد خارج الملعب مع إظهار الكارت الأحمر الأثير، وبين تلحين كلمات «ارحل... ارحل»، وحتى الصفير الطويل الذي يعلن انتهاء المباراة. تحول المشهد إلى صفير هستيري وأجواء كرنفالية مساء الثلاثاء خصوصاً بعد إعلان بيان القائد الأعلى للقوات المسلحة مناصراً للشعب ومثنياً على وحدته. لم تغب عن الأذهان الصورة الشهيرة لأحد المتظاهرين أثناء اعتصام الثمانية عشر يوماً في انتفاضة «ثورة 25 يناير 2011» (سجلها كتاب كريمة خليل «رسائل من التحرير» وصدر عن «الجامعة الأمركية في القاهرة»)، وقد وقف بملابس الحكم الرياضية رافعاً كارتاً أحمر كتب عليه «مبارك بره»، وشاهراً ذراعه الأخرى نحو الخروج، بينما علق على صدره لافتة: «الشعب هو الحكم». هذه المرة، بدا فعلياً أنّ الشعب هو الحكم في تظاهرات «30 يونيو»، أو كما لو كانت هذه الثورة الثانية هي التجلي الثاني والامتداد الزمني للثورة الأولى، أليست «الثورة مستمرة» كما رفعها الثوار بعد سقوط النظام السابق؟
تعددت الشعارات لتصبح تنويعات على «ارحل» تتففن فيها طبقات الشعب المختلفة. في حين تكرر النداء الذي وجه لحسني مبارك، ثم للمشير العسكري في المرحلة الانتقالية («ارحل يعني امشي ياللي ما بتفهمشي»)، أضاف البعض «ارحل يا كاذب»، وهي الصفة التي أصبحت لصيقة بالفئة المتأسلمة الحاكمة، وكتب البعض الآخر «وعد فأخلف، ائتمن فخان»، فيما أصَر آخرون على «شطب» صور الثلاثي مرسي وخيرت الشاطر والمرشد آمرين إياهم: «ارحلوا». لم تعد الشعارات باللغة الانكليزية تقتصر على طبقات الصفوة، أو الفلول في بعض الأحيان، بل راح بعض البسطاء بملابسهم الريفية يمسكون بالكارت الأحمر مكتوباً عليه بالانكليزية Go Out أو شهروا لافتة في ميدان التحرير كُتب عليها بانكليزية متلعثمة Opama supporte Morsi. ليس الأمر لجذب الإعلام العالمي، بل «ليفهم» أوباما بأنّ ورقه صار مكشوفاً. ورغم احترام القوى السياسية لمبدأ توحيد الشعارات وعدم إعلانها عن أي مطالب سوى الرحيل، كان ممكناً التفرقة بين بعض هذه القوى التي تمايزت عن غيرها، فتعالت الأعلام الحمراء للاشتراكيين الثوريين، رافعين شعار «الشعب هو مصدر السلطات». بينما ظهرت الكروت الحمراء الفاخرة التي لم يكتب عليها حرف لتكون أبلغ من أي كلام، ويرجَّح أنها من صنيعة حزبي «المصريين الأحرار» و«المصري الديموقراطي الاجتماعي» و«المصري الليبرالي» الميسورة، وكذلك الكفوف الحمراء التي يرتديها المتظاهرون مثل القفاز لتكون إشارة بـ«كفى هذا»، وقد كُتب عليها «المرشد وحقوق الإنسان don’t mix» تهكماً على إحدى جمل محمد مرسي الشهيرة. أما القوى اليسارية من أحزاب وحركات ثورية، فقد خفت صوتها، رغم مشاركتها بكثافة في المطالبة برحيل الرئيس، خصوصاً بعد اصطفاف الحشود حول بيان وزير الدفاع وارتمائهم بين أحضان العسكري هرباً من بطش الاخوان. تحت وطأة الاستبداد باسم الدين، توارت لافتات «يسقط حكم العسكر» ونسيت الجموع الحكمة العربية «كيف أعاودك وهذا أثر فأسك؟». ولم يعد لدى اليسار المثابر سوى هذا العقد الضمني، غير المكتوب الذي جعله يتفق على صفحات الفايسبوك على مسيرة «صوت الثورة» من «جامع الفتح برمسيس» وحتى قصر الاتحادية تحت شعار «ضد كل من خان... عسكر وفلول وإخوان».



x على مرسي

بعدما حذّرت اللجنة التنسيقية لـ«30 يونيو» في بيانها من عدم رفع شعارات ضد الجيش، مشدّدة على أن يكون علم مصر شعار التظاهرات، اكتفى بعض المتظاهرين المصريين برفع العلم المصري، وشعار «إرحل». لكن بعض الملصقات المطالبة بتطهير الإعلام ومحاسبة الإعلاميين انتشرت في بعض المحافظات المصريّة. أما الملصقات التي انتشرت بشكل بارز على السيارات والجدران، فتحمل شعار «إنزل 30 يونيو ــ عمر المصري ما يبقى جبان». كما أطلقت حركة «تمرّد» ملصقات في شوارع القاهرة تحمل صورة مرسي وعليها علامة x.