في باكورته الروائية «ليل» (دار مختارات)، يثير جورج يرق انطباعات متعددة ومتناقضة لدى القارئ. هي حكاية مقاتل سابق في القوات اللبنانية يضطر إلى الاختباء في أحد الأديرة بعد انتهاء الحرب، قبل أن تتغير الأحوال سنة 2005 مع خروج قائده سمير جعجع من السجن. لوهلة، نظن أننا بصدد رواية أخرى عن الحرب الأهلية التي شهدت الولادة الثانية للرواية اللبنانية عموماً، ولكن بطل الرواية (وهو الراوي أيضاً)، وبعد يومين من مغادرة الدير، يدخل عالم الروسيات والمغربيات في كباريهات جونية والمعاملتين، ويفتح حساباً على موقع فايسبوك من أجل اصطياد النساء. تتجاوب واحدة اسمها كاترين مع رسائله الموحّدة التي يرسلها إلى أكثر من امرأة. تبدأ علاقة افتراضية قائمة على الفانتازمات الجنسية، قبل أن تترسخ العلاقة أكثر بمحادثات حول الكتب والقراءة والفن. سنعرف أن المرأة مطلَّقة وتهوى الرسم، وأنها أصيبت بالعمى، ولكنها تنتظر أن يحدث تطور في الطب يمكّنها من استعادة بصرها. الفانتازمات التي كانت تُنزل لغة الرواية إلى مستويات تضرّ بها تتراجع لمصلحة علاقة جنسية وعاطفية مستقرة، مع انتقال البطل للسكن في استوديو تملكه كاترين على سطح بنايتها.

هكذا، يتخفف البطل قليلاً من انعدام الخصوصية في حياة الفواييه، ويرتاح قليلاً من العمل في المرفأ مع أحد التجار. مع هذه التطورات، تتعمق حركة السرد، ويعود المؤلف للسيطرة على القارئ، وخلق نوع من التشويق والمتعة في الأحداث. يتولى البطل مهمة قارئ الروايات لصديقته العمياء، وتتكشف ثقافة المؤلف وقدرته على نسج طبقات متعددة لهذه العلاقة، ولكنه في الوقت نفسه لا ينتبه إلى الاستثمارات الممكنة في ماضي البطل أثناء الحرب التي تصبح خلفية باهتة للحاضر المحكوم بتطور العلاقة الجنسية، وما تطرحه تطوراته (القليلة على أي حال) من ردود أفعال وخبريات جانبية. تنتهي الرواية بسفر كاترين إلى أميركا للخضوع لعملية قد تعود منها وهي ترى، بينما يبقى البطل في انتظارها من دون أن تكون هناك نهاية محددة في الأفق. في الأثناء، يلجأ يرق إلى فكرة جذابة لإنهاء الرواية، حيث يقرر البطل أن يكتب رواية عن كاترين وعن علاقته بها، ويناقش بينه وبين نفسه كيفية كتابتها مع تعديل بعض التفاصيل لكي لا تتشابه مع الواقع، ويفكر في أن عنواناً مثل «ليل» لائق بها، وأن اسم جورج يرق يصلح أيضاً كاسم مستعار لمؤلفها. هكذا، يكتشف القارئ أنه انتهى للتو من قراءة الرواية العتيدة.