لا يزال هاجس أحداث المنطقة وزحف الطاعون الأسود، المتمثل في «داعش» وأخواتها، مخيماً على أجواء «المهرجان اللبناني للكتاب» (الحركة الثقافية أنطلياس). في نسخته الخامسة والثلاثين هذا العام (من 5 إلى 20 آذار/ مارس) التي تقام في «دير مار الياس» في أنطلياس، ارتأت الحركة إهداء هذه الدورة الى المطران الراحل غريغوار حداد (1924 ــ 2015)، بوصفه رسولاً للعلمانية، التي تشكّل مداميك الدولة والمجتمع الصحيحين. في كلمته قبيل أيام، أوضح أمين الإعلام في «الحركة الثقافية» الكاتب عصام خليفة، خلفية تسمية هذه الدورة باسم المطران الراحل. تحدّث خليفة عن العلمانية على صعيدَي الوطن والعدالة الاجتماعية، مستشهداً بأقوال حداد بأن العلمانية لا «تناقض المسيحية ولا الإسلام الحقيقي»، ليعرّج بعدها على ما نعيشه اليوم من أحداث دامية، وصراعات طائفية ومذهبية وانهيار دول في المشرق العربي. انطلق خليفة من أرضية صلبة وخلاص للحياة البشرية أرساها غريغوار حداد، لتكون الحلّ في مواجهة الفتن الدموية، ونبذ «ثقافة العنف ورفض الآخر». وأكد خليفة أنّ هذه الفسحة الثقافية التي يمثلها المعرض، ستشكلّ «ردنا على مظاهر انهيار دولتنا اللبنانية»، ومنه الى باقي العالم العربي ليصار الى «تعميم مفهوم العلمانية الشاملة» في سبيل دخول العرب في زمن الحداثة الحقيقية.على مدخل المعرض، وكما جرت العادة، سترفع تحايا الى كبار رحلوا هذا العام وقبل سنوات قليلة ماضية، وتركوا أثراً على المستويين العربي والدولي؛ منهم شخصيتان مصريتان هما الصحافي الكبير محمد حسنين هيكل، والدبلوماسي المصري بطرس غالي، وآخرون طبعوا حياتنا الثقافية والفنية؛ من ضمنهم: سليمان تقيّ الدين، ريمون جبارة، برج فازليان، غازي قهوجي، فؤاد بطرس وسيمون الديري.
الدورة الخامسة والثلاثون، التي تضم أكثر من 120 دار نشر ومكتبة باللغات الثلاث، اختارت هذا العام أن تكرّم علمين من العراق: عالم الاجتماع والسياسة فالح عبد الجبار الملتزم بقضايا الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان. والى جانبه، تكرّم «الحركة الثقافية» الأب سهيل قاشا، الكاتب العراقي الغزير وصاحب المؤلفات القيّمة. تسعة أعلام آخرين من لبنان هذه المرة، سيكرمون في «معرض أنطلياس»، من ضمنهم الأباتي أنطوان ضوّ، العامل دوماً في حقل الحوار المسيحي ــ الإسلامي، والإعلامي العريق كميل منسى، والمؤرخ نايل أبو شقرا، والروائية هدى بركات، في تكريم لمسيرة جيل الروائيين اللبنانيين الذين ترجمت أعمالهم الى اللغات الأجنبية.
يشهد هذا العام مرور مئة عام على اتفاقية سايكس ــ بيكو

في شهر آذار (مارس) الموعد السنوي لإقامة هذا المعرض الثقافي العريق، يحجز كل من المعلم والأم حصتهما فيه، لتزامن عيديهما مع موعد هذا المعرض. لهذه الغاية، اختار القائمون على المعرض تكريم لميا رستم شحادة، في يوم المرأة العالمي، وفي عيد المعلم، سيتم تكريم سناء البواب صاحبة الباع الطويل في قطاع التربية والتعليم.
مروحة واسعة من المواضيع والقضايا ستحضر على منصات «المهرجان اللبناني للكتاب» وسيكون لطلاب المدارس حصة وافرة، تضاف إليها ندوات يومية (من الساعة 16:30 إلى 18:30)، ستناقش مع أكثر من 128 شخصية من ذوي الاختصاص، هواجس وقضايا حيوية وملحة؛ أبرزها قضية النفايات والحلول الممكنة لهذا الملف الشائك العقيم، وقضية النازحين السوريين في لبنان، مع مقاربة «الأخطار الديموغرافية والاقتصادية والأمنية». وأبعد من الشأن اللبناني الداخلي، يشهد هذا العام مرور مئة عام على اتفاقية سايكس ــ بيكو. هكذا، تقام ندوة (12/3 ــ س: 18:30) تجمع اختصاصيين للتحدث عن هذه الاتفاقية وتقاسمها لمناطق النفوذ في المشرق العربي، إلى جانب تأكيد المشاركين أهمية الحفاظ على الدولة اللبنانية ضمن «سيادتها». العدد الوافر للندوات مع تشعّب مواضيعها وقضاياها، سيترافق مع سلسلة تواقيع لعدد من المؤلفين يزيد عددهم على الخمسين.
في عامها الخامس والثلاثين، تقف «الحركة الثقافية» مجدداً وتصرّ دوماً على اجتراح ضوء في النفق الذي يعيشه لبنان والمنطقة. حركة مقاومة تقارع اليوم التراجع المخيف في مستوى الكتاب والثقافة والقراءة، وأيضاً الغزو الداعشي وثقافة نبذ الآخر وإقصاءه وإعدامه معنوياً ورمزياً. في هذه الدورة، تعيد الحركة التذكير بكبار رحلوا، وآخرين أسهموا في النهضة الثقافية اللبنانية والعربية وحتى العالمية، وتنشر العلم والثقافة بين أجيال مختلفة، لتسهم بذلك في «التنمية الإنسانية» كما قال خليفة في كلمته أخيراً.

«المهرجان اللبناني للكتاب» من 5 إلى 20 آذار (مارس) ــ "دير مار الياس"، أنطلياس ــ للاستعلام: 04/405510