القاهرة | «مش عارف إيه اللي بيحصل، المساجد بقت فاضية، الناس مابقتش عايزة تسمع كلام ربنا». عبر لسان وشخصية «الشيخ أحمد عثمان» (يؤدي الشخصية أحمد سيد أمين) يلتقط الفيلم الروائي القصير «حاضر مع المتهم» زاوية درامية مميزة: مأزق رجل دين مصري بعد وصول الإسلاميين إلى الحكم اثر «ثورة 25 يناير».
يتابع الشيخ الشاب سخط المواطنين المصريين على «حكم الذقون»، ويشعر بنفور الناس من أي شخص ملتح، يتحرش به البعض في الطريق، لكن أشد ما يؤلمه هو غياب الناس عن درسه الأسبوعي في المسجد: «دي رابع مرة محدش ييجي الدرس، احنا ساعات بنؤم نفر ولّا نفرين».
مع عدم إغفال الأداء الجيد لأحمد سيد أمين، يبقى بطل الفيلم هو صانعه علاء إسماعيل الذي كتب السيناريو وتولى التصوير والإخراج والمونتاج. الشريط الذي لا تتجاوز مدته ثماني دقائق، يقدّم حكاية الأزهريّ الحزين بنعومة سينمائية.
في البداية، نتابعه فخوراً بنفسه، بزيّه الأزهري التقليدي ودرسه وجلوس الناس تحت منبره، ثم نراه مشاركاً في التظاهرات مساعداً في إنقاذ الجرحى، ثم مشاهدته احتجاجات الناس ضد الإسلاميين عبر شاشة التلفزيون، وملاحظته غياب الناس عن المسجد، وقراره «النزول إلى الناس»، وصدمته من نفورهم منه.
أخيراً، يكتب لافتة «الإسلام بريء من المنفّرين»، ويقف بها على الطريق العام، ثم يعود إلى مسجده الخاوي مكتئباً، قبل أن ينتهي الفيلم مع لمحة أمل صغيرة.
تتابع كل هذه الأحداث ــ رحلة الشيخ من الأمل إلى الأمل مروراً بالصدمة واليأس ــ في شريط ذي دقائق معدودة، منح الأدوار الرئيسية للصورة والمونتاج والحوار الداخلي، لكنّ تناوله حدثاً سياسياً ــ وإن كان جوهره إنسانياً (الصفحات الثورية تناقلت الفيلم على رأسها «صفحة خالد سعيد») ــ يطرح أسئلة سياسية بدورها من دون الخروج عن الجوهر السينمائي.
من تلك الأسئلة أنّ ما يقدمه الفيلم عن نفور الناس من «الإسلاميين» ــ وهو صحيح بالنظر إلى «ثورة 30 يونيو» ــ لا يتفق كثيراً مع كون شخصية الشيخ تنتمي إلى الأزهر، يشهد الشارع المصري بعض العنف الآني تجاه ملتحين ومنقّبات، لكنّه لا يشهد العنف نفسه تجاه الأزهريين، خصوصاً لو كان الشيخ يتحرك ــ كما قدّمه الفيلم ــ بملابسه التقليدية الأزهرية المعروفة.
في أحد المشاهد، يمرّ الشيخ أمام مقهى، فيرشّه عامل المقهى بالماء ليغرق ثوبه الأزهري. في مشهد آخر، يجلس بجوار أحد الشبان في القطار، ويقدم له قطعة حلوى، يتركه الشاب ليجلس على مقعد آخر.
تلك مبالغات لا يبتعد انتقادها عن «السينما» لأنّ الفيلم الذي يضع على عاتقه تقديم رسالة معينة، (يهدي المخرج فيلمه إلى الشيخ عماد عفت، شهيد مواجهات مجلس الوزراء في ك1/ ديسمبر 2011)، ينبغي أن يكون «دقيقاً» في تلك الرسالة، حتى تصل إلى هدفها. وإذا لم تكن كذلك، سيفعل كما فعل المخرج من خلال الشيخ: يرفع لافتة «الإسلام بريء من المنفرين»، لكن من دون تحديد ماهيّة «التنفير». أهو المشاركة في الحكم أم هي «الأخطاء» في الحكم؟ أهو العمل في السياسة من حيث المبدأ؟ (الشيخ نفسه شارك في تظاهرات «20 يناير»)، أهي إذن رسالة علمانية؟ وإذا كان «هؤلاء» لا يمثلون الإسلام، فأي إسلام يمثله الشيخ؟ ما هي رسالته «المختلفة» عن رسالة «المنفرين»؟ يجيب الشيخ بنفسه على أسئلة أحد المارة الذين لفتتهم لافتة الشيخ الاعتذارية: «أنا جاي اعتذر لكل مسلمي مصر، اللهم إنّي أبرأ إليك من هؤلاء وهؤلاء، في ناس باسم الإسلام بيسيئوا للدعوة للدين، وفيه دعاة بيتاخدوا في الرجلين (يُظلمون)».
الفيلم الذي أُنجز قبل «ثورة 30 يونيو»، يعدّ أحد نتاجات «دورة استديو الفيلم القصير» (صندوق التنمية الثقافية/ مركز طلعت حرب الثقافي) ويمكن مشاهدته عبر يوتيوب.
ولعله كان من الأفضل لاكتمال الصورة السينمائية المميزة والإيقاع الناعم، أن يواصل الشريط متابعة المأزق الإنساني للشخصية، بدلاً من أن ينتهي بالرسالة التقليدية «الإسلاميون لا يمثّلون الإسلام».