التلفزيون السوري يعمل وفق تعليمات أمنية دقيقة لا يمكن لأي مسؤول مهما علا شأنه في السلك الإعلامي أن يتجاوزها ولو قيد أنملة، ولا يمكنه أيضاً إنكار هذه القاعدة التي صارت معروفة من قبل القاصي والداني من المهتمين في الشأن السوري. آخر ابتكارات «العقلية الأمنية» التي تدير التلفزيون جاءت في خطوة تبدو كأنها صورة طبق الأصل عن سلوك «الشبيحة» المتطرفين في تأييدهم للنظام. فقد وصلت في بداية شهر رمضان قائمة سوداء إلى إدارة التلفزيون الوطني بأسماء فنانين سوريين يمنع ظهورهم على الشاشات الرسمية بسبب مواقفهم المعارضة للنظام السوري. ومن بين تلك الأسماء نجوم مثل جمال سليمان، وسلوم حداد، ومازن الناطور، وكندة علوش، وفارس الحلو، ومي سكاف. تشير مصادر من داخل التلفزيون السوري لـ «الأخبار» إلى أنّ هذا القرار قديم لكنه لم يطف على السطح إلا بعد مرور أيام من شهر رمضان كونه موسم عرض الدراما التلفزيونة.
لكن اللافت كان إدراج اسم النجم السوري سلوم حداد على قائمة «الفيتو» العائدة للتلفزيون الرسمي، رغم أنه سبق لصاحب شخصية «أبو زيد الهلالي» أن تعرّض لمضايقات الشبيحة ومحاولتهم إهانته في مقهى «الروضة» الدمشقي مطلع الأزمة السورية على مرآى من جموع الناس وأمام العشرات من زملائه الفنانين، ومع ذلك، اعتكف الرجل بعيداً عن أي ظهور إعلامي أو مواقف متطرفة، ثم لجأ إلى العمل خارج سوريا كما فعلت غالبية نجوم الوسط الفني بعد انزلاق الأوضاع الأمنية في الشام نحو الهاوية. ومع ذلك، فقد تم الاعتراض على 13 مشهداً أداها سلوم حداد للجزء الثاني من مسلسل «زمن البرغوث» للكاتب محمد الزيد والمخرج أحمد ابراهيم أحمد (إنتاج شركة «قبنض» العائدة ملكيتها إلى رجل الأعمال المقرّب من النظام محمد قبنض). لكن بعد بدء عرض العمل على القنوات السورية هذا الموسم، فوجئ الجمهور بحذف مشاهد سلوم حداد رغم ظهور صوره بشكل متكرر في شارة البداية، ورغم أن شخصية «أبو نجيب» التي أداها في هذا العمل حازت إعجاب الجمهور وزادت من أسهم متابعة المسلسل الشامي.
من جهة أخرى، يعرض التلفزيون السوري مسلسل «سنعود بعد قليل» (كتابة رافي وهبي وإخراج الليث حجو) مع بقاء مشاهد الممثلة المعارِضة كندة علوش التي حلّت ضيفة على هذا العمل. لكنّ ذلك ليس سوى استثناء حصل كرمى لعيون الكوميديان دريد لحام بطل هذا المسلسل بعد توسطه لدى الجهات المعنية بحسب ما علمت «الأخبار» من مصادر موثوقة. فيما لم تصدق الشائعات التي روّجت لإمكانية عرض الفضائية السورية لمسلسل «الولادة من الخاصرة 3» (منبر الموتى) الذي يتميّز بصداميته الكبيرة مع الواقع السوري الجديد وشفافيته في التعاطي مع الأحداث اللاهبة. ولعلّ أحد الاسباب الحقيقية وراء امتناع وزارة الإعلام السورية عن إعطاء الموافقة على عرض العمل هو ظهور ممثلين من «القائمة السوداء» في المسلسل منهم عبد الحكيم قطيفان ومي سكاف. ورغم كل ذلك، فقد تعرّض العمل لهجوم افتراضي لاذع من قبل «شبيحة» النظام. هكذا، تذهب جهود بعض شركات الانتاج والمخرجين السوريين أدراج الرياح، رغم محاولاتهم الجادة لجعل دراما بلادهم تلمّ شمل ما فرّقته السياسة.
السلوك القمعي الذي يضاف إلى سجل التلفزيون الرسمي الحافل بالأخطاء، سرعان ما تلقّفته الجهات المعارضة للنظام ليعطيها شرعية منطقية لشتمه واتهامه بالتخلف. هكذا، سارع الممثل السوري مازن الناطور إلى نشر خبر مقتضب عن هذه القضية على صفحته الشخصية على الفايسبوك وطالب أصدقاءه الافتراضيين بالمباركة له «لأنه يشعر بالفخر والاعتزاز لتواجد اسمه في القائمة السوداء»، فانهالت عشرات الصفحات على مشاركة تعليق الناطور الذي حظي بإعجاب المئات من متابعي صفحته الشخصية.
بعدما كانت قناة «تلاقي» قد حذفت صوت الممثلة أصالة نصري عن شارة مسلسل «نزار قباني» الذي افتتحت بثّها به، كما حذفته عن مسلسل كرتوني في الوقت عينه (الأخبار 15/6/2013)، يتكرر السلوك نفسه اليوم مع نجوم الدراما لتكريس الفكرة القائلة بأنّ التلفزيون السوري ملك النظام، وكل من ليس معه فهو ضده، وستحرق الأرض من تحت قدميه... كأن كل تلك الدماء التي سالت لا تساوي شيئاً عند ربان يقود سفينته يوماً بعد آخر نحو الغرق المحتم.


«منبر الموتى» على «أبوظبي» (23:00)، وlbci (21:00)
«زمن البرغوث 2» على قناة «المنار» (20:30)
«سوريا دراما» (21:00)




مخابرات دوت كوم

بعدما باشر التلفزيون السوري ببث «برمو» مسلسل «الولادة من الخاصرة 3 ــ منبر الموتى» قبيل رمضان، تراجع فوراً عن خطوته غير المحسوبة بعد تلقّيه تعليمات بعدم عرض المسلسل. بعدها، باشرت حفنة من مناضلي الفايسبوك بالتحريض ضد العمل وصناعه والدعوة إلى مقاطعته. وسرعان ما تأسست صفحة بعنوان «كارهي الولادة من العاهرة» التي لم يتجاوز المنضمين إليها سوى عشرات راحوا يشتمون كاتب العمل سامر رضوان ومخرجه سيف الدين السبيعي وأبطاله الذين نشرت لهم صور مشوّهة على اعتبار أنّ العمل يسيء إلى «ضباط المخابرات الذين حافظوا على سورية حرة وموحّدة»!