استفاق اللبنانيون أمس على خبر وقوع جريمة مروّعة في الصرفند (جنوب لبنان) أودت بحياة المحلل السياسي السوري ورئيس الدائرة السياسية والعلاقات الدولية في المنظمة العالمية للمغتربين العرب محمد ضرار جمّو. وفيما توافرت أنباء صحافية عن اغتيال جمّو بواسطة 27 رصاصة اخترقت مختلف أنحاء جسده، وضع عدد من الوسائل الإعلامية اللبنانية نشر صورة الضحية ضمن قائمة أولوياته، ضارباً ــ كالعادة ــ بحرمة الموت وأبسط قوانين البث الإعلامي المرعية في الدول المتحضرة عرض الحائط.
«المؤسسة اللبنانية للإرسال»، مثلاً، نشرت صورة لجمّو بعد وفاته، مبقية عليها طوال اليوم على موقعها الإلكتروني، وحاجزة لها مساحة على الصفحة الأولى ضمن قائمة «آخر الأخبار».
أما زميلتها «الجديد» فقد «تجرّأت» أكثر ونشرت الصورة مع الجسم كاملاً، مموّهة بعض المناطق التي تحمل إصابات «مؤذية»، ظناً منها أنّها تحترم «أخلاقيات المهنة».
تلفزيون الويب كان له حصّته الكبرى في «حفلة الدم» أمس، إذ سارع موقع Saida TV إلى مكان الجريمة ونشر فيديو تقارب مدّته 4 دقائق يصوّر فظاعة منظر الجثة باستهتار وعدم مسؤولية.
واللائحة تطول طبعاً، خصوصاً في ما يتعلّق بالصور التي اكتظت بها مواقع التواصل الاجتماعي. المواقع نفسها غصّت بالتعليقات التي أدانت «الاسخفاف بدماء الناس إلى هذه الدرجة»، وأخرى رأت أنّ «الإعلام اللبناني وصل إلى طريق اللاعودة». كثيرة هي الأخطاء الإعلامية الفادحة التي ارتكبها الإعلام اللبناني في ظروف مماثلة، وكلّها تعيدنا إلى غياب القوانين العصرية التي تحكم عملية البث ككلّ وارتماء القنوات والمؤسسات الإعلامية طبعاً في حضن الإثارة.
لكن إذا تركنا أصول المهنة جانباً، ألم يفكّر هؤلاء في أنّ لجمّو وغيره أهلاً غارقين في مأساتهم ومن حقّهم أن ينعموا بشيء من الخصوصية والاحترام؟ أولم يخطر في بالهم أيضاً أنّ هناك مُشاهداً لم يعد يحتمل «ولائم الدم» التي ما انفك الإعلام يضعها على مائدته؟